الكتابة البحثية وكل من الكتابة الصجفية والدعوية
بقلم/ د. سعيد إسماعيل علي
لست فى حاجة إلى تفصيل أمر الكتابة البحثية، فأمرها مشهور على وجه التقريب من حيث التزام قواعد منطق التفكير ، والمنهج العلمى، وضرورة التوثيق ، وتفريغ الكلام من شحنات الانفعال ، سلبا كان أو إيجابا ، والبعد عن التعميميات الكاسحة، والميل إلى جوانب الاحتمال والترجيح، والتقليل من جوانب القطع..
والوعى بأن قارئ العمل البحثى غالبا ما يكون ذا مستوى علمى عال، بل وربما من نوعية محددة ..
وتبرز الحاجة إلى الوعى بهذه الجوانب، والتدرب عليها خاصة إذا كان موضوع البحث قضية تتصل بكاتب صحفى أو داعية دينى..
لقد وفقنى الله عز وجل منذ يناير 1970 إلى أن أمارس الكتابة الصحفية على نطاق كثيف وواسع، حيث لمست الحاجة إلى شد انتباه القارئ ، وأن أتخير له الكلمات السهلة، وأراعى أنه يمكن ألا يزيد تعليمه عن الابتدائى، وقد يكون قد بلغ أقصى المستويات، وأن القراء متنوعون فى أعمالهم ومهنهم ..
فى كتابى ( محنة التعليم فى مصر) ، وكذلك ( إنهم يخربون التعليم) الذين كتبتهما لعموم الناس، كان من عناوين فصولهما: العمامة والطربوش، إشارة إلى فريقى التوجه الدينى، والتوجه الغربى فى التعليم، وعنوان ( البحث عن مأوى )، قاصدا قضية المبانى المدرسية..وهكذا..
وفى كتابى فى سلسلة كتاب اليوم الطبى ( التربية علم له أصول) تجد فصلا بعنوان ( عندما تدق الأجراس)، قاصدا بداية العام الدراسى ..وهكذا
فإذا فُرض أن كان موضوع بحث أكاديمى أجد الكتاب الصحفيين ذوى الفكر المتميز ، مثل الدكتور مصطفى محمود، لابد من انتباه الباحث إلى أن مصطفى محمود إذ يكتب فى مجلة صباح الخير، والأهرام، ويتحدث فى التليفزيون، أن يكون له ” معماره اللغوى ” الخاص القائم على كلمات سهلة المعنى، وشديدة الجاذبة ..
وهو يمكن أن يسوق أسماء شهيرة من علماء السلف بغير توثيق، وكذلك يسوق نصوصا من غير توثيق..حيث أن قنوات التعبير المستخدمة لا تحتاج ذلك إلا للضرورة القصوى..
فإذا كان الرجل نفسه موضوع بحث أكاديمى فلابد من التخفف من بعض الألفاظ والمصطلحات ذات اللمعان الجماهيرى وذات قوة شد انتباه، والتركيز على ” المقاصد” ، والحرص على توثيق ما يجئ فى كلامه من معلومات وأسماء شخصيات..
كذلك فأنا واحد من المغرمين بالراحل الشيخ محمد الغزالى، وقرأت معظم كتبه، وأتاحت لى الظروف التعامل الشخصى معه ، واستضفناه فى رابطة التربية الحديثة..
لكننى عندما أستعين ببعض ما كتب: أقف حائرا فى بعض الأحوال، عندما يشير إلى قول سين من الناس، أو معلومة خارج النطاق الدينى دون توثيق ، وأنا أثق فى صدق الرجل وأمانته، لكنه كاتب داعية، يلتزم أسلوبا معينا له خصائصه أيضا..فضلا عن أن الكلام الدعوى يكون مشحونا بالحماس والانفعال، دون أن يفتقد بطبيعة الحال الحجة والبرهان.
وهناك كاتب عظيم هو أنور الجندى، غاص سنوات طويلة بين بطون كل المجلات الثقافية الرائعة عبر عشرات السنين ، زمن النهضة الفكرية ، ونقل دررا لنا فى كتبه، لكننى أجد صعوبة فى الاعتماد عليه فى كثير من الأحيان، حيث لم يوثق الكثير مما يرويه عما كُتب فى هذه المجلات الثقافية القديمة، فأضطر إلى عدم الاعتماد عليه آسفا حزينا..
مرة أخرى ..لكل من الكاتب الصحفى ، والكاتب الداعية، أسلوبه ونهجه المتميز المناسب لأرض ملعبه، لكن عندما يكون هذا أو ذاك موضوعا لرسالة أكاديمية ، فويل للباحث إذا لم ينتبه إلى هذا ..