تحولات البرلمان الإيراني
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
أستاذ الدراسات الإيرانية
كان من الطبيعي أن يعلن محمد باقر قاليباف رئيس السلطة التشريعية في مستهل نشاطه التشريعي ولاءه الكامل للزعيم آية الله سيد علي خامنئي، والتأكيد على أنه امتداد للزعيم الراحل آية الله الخميني، حيث وصف الخميني بأنه متصوف مجتهد وسياسي حكيم، مدرك لطبيعة الزمان، بعيد الفكر والرؤية، مما جعله إنسانا يؤمن بالله ويؤمن بالناس بكل وجوده، وهو ما جعل هذا سنة في النظام، ومن ثم كان خليفته آية الله خامنئي على نفس المسار مؤمنا بالله مؤمنا بالناس، مما جعل الثورة الآن تستطيع مواجهة العقوبات والتهديد والتخريب والهجمات الأمنية والثقافية والسياسية، وتنسج ثوب المقاومة والصمود والاستقلال متينا في مواجهة النظام الاستكباري.(وكالة أنباء فارس في ٢/٦/٢٠٢٠م)
لقد أكد قاليباف أنه ليس من سبيل أمام إيران في التغلب على المشكلات إلا أن تتحرك في مدار الإيمان بالله والثقة في الشعب، لأنه اتجاه ملهم للنظم التي تعبت من الظلم العالمي، وأن البرلمان ملتزم بأن يتبنى كل قراراته وكل إجراءاته على أسس خط الإمام، وإن خط الزعيم المعظم في رأيه هو النسيج الأصيل والمتطور لخط الإمام. من هنا يمكن أن نلاحظ التطور، بل التغير الذي أحدثه قاليباف في فكره وحركته، حيث تحول من قائد له رؤيته ومواقفه إلى مندمج بشكل كامل في ولاية الفقيه، كان اللواء قاليباف يقول في أول مؤتمر صحفي عقده بعد ترشحه في انتخابات رئاسة الجمهورية: أنا هنا لكي أقول للشعب إنني مستعد للمنافسة، وقادر على خدمة الجماهير العزيزة، وتحقيق الأماني السامية للوطن في المستقبل، وما دفعني إلى هذا المجال من الخدمة هو أني من أسرة متوسطة قريبة من الفقراء، أكملت تعليمي بمشقة، وعملت وكدحت وسرت في طريق الشعب من أجل استقلال وعزة هذا الوطن، وكنت مجاهدا مع المقاتلين في ساحة الحرب دفاعا عن الوطن، وقد كنت خلال عملي في سلك الشرطة قريبا من المواطن، فكري مطابق لفكره، ولم أعل عليه، وأنا أشعر اليوم أن أحاسيس المسئولين ليست مطابقة لأحاسيس هذا المواطن، وتوجهاتهم مختلفة أحيانا مع توجهاته. ربما لا أصرح بكل ما أعرفه من مسائل وقضايا لمصلحة الأمن القومي، إلا أنني لن أجامل في هذه المسائل.
لقد سعى قاليباف إلى شرح شعاراته السابقة بالتأكيد على أن المسئولين يخفون الوقائع المريرة، ولكنه لا يستحسن هذه النظرة المنفعية، لأن من الإنصاف طرح مشكلات البلاد بصدق مع نقد منصف، فإذا كانت المعارضة تطرح هذه المشكلات، فإن هدفها هو إضعاف الحكومة أو إسقاطها، إلا أنه يطرحها من أجل التفكير فيها وحلها، ويعتبر نفسه مكلفا بأن يوفر المجال المناسب لحلها، وأن كثيرا من الامكانات تضيع في زحمة الصراع السياسي. وقد أكد قاليباف أن النظام الإداري مثل سفينة غرزت في الطين، وتحتاج إلى منقذ له إمكانات خاصة، وإصلاح هذا النظام يحتاج إلى برنامج دقيق وعلمي ومنظم، يقوم على ثلاثة عناصر: العنصر الأول هو: العقل الوطني الذي يستطيع من خلال الاستفادة بالنخبة، بغض النظر عن ميولها السياسية، إيجاد الطريق وصنع القرار، وأنه برهن على نجاح ذلك خلال عمله بالشرطة، أما العنصر الثاني فهو: أن يكون للجماهير دور محدد في أي قرار تنفيذي، وكان هذا واضحا في شئون الأمن والشرطة، والعنصر الثالث هو: الأسلوب العلمي والاستفادة من التقنية العالمية.
كما أكد قاليباف أن الاقتدار من المواصفات اللازمة لرئيس الجمهورية وحكومته بعيدا عن سوء الأخلاق، لذلك فهو يقدم برنامجا يسعى من خلاله إلى أن يكون مقنعا للجماهير ومقبولا. ورغم أن قاليباف من النظاميين الذين ينفذون الأوامر، إلا أنه لا يعتقد في مقولة أن المأمور معذور، وإنما المأمور مسئول، بمعنى أنه لا يقبل أن ينفذ أمرا خارج إطار القانون، ولا ينبغي الاستفادة من كل السبل لإنجاز أمر ولو كان هدفه نبيلا، أي أن الغاية عنده لا تبرر الوسيلة، ومن هنا فهو يعتقد في أن الصدام مع الصحف ووسائل الإعلام أو الأجهزة الثقافية ليس مستحبا وليس قانونيا. ورغم أن قاليباف لا يعتقد في القيادة الجماعية، إلا أنه يؤمن بضرورة وجود العقل الجماعي، وإشراك الفئات في كل ما يتعلق بها من قضايا، فليس من الإنصاف اتخاذ قرار يتعلق بالعمال مثلا دون التعرف على وجهات نظرهم.
هكذا ناقض رئيس البرلمان فكره الذي طرحه عندما ترشح لرئاسة الجمهورية، ورغم أن هذا الفكر كان يستهدف تأييد الجماهير له، إلا أنه فشل في الحصول على هذا التأييد، ومن ثم فقد أعاد النظر في هذا الفكر، مع تجربته في رئاسة العاصمة، وتأكد له أن موالاة النظام وتوجهاته هي الطريق المضمون لرئاسة إحدى السلطات في النظام، فكانت السلطة التشريعية أسهل، باعتبار أنه لا يحتاج إلا إلى أصوات سكان العاصمة طهران التي يرأسها.