وقفات في ظل أزمة كورونا
بقلم: د. عادل هندي
مدرس بقسم الثقافة الإسلامية بكلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وبعـد: فمما لا شكّ فيه أننا في ظل أزمة صعبة للغاية؛ فقد شاء الله تعالى أن يُظهر لنا جزءًا من عظيم قدرته في هذا الكون، بظهور وباء عجزت أمامه ترسانات السلاح والعلاج والمال في العالم. فقد بات الوباء العالمي (كورونا) يهدد البشرية بشكل بشع، ويزداد شراسة على البشرية، وقد بدأت بلادنا مرحلة تحتاج معها إلى وقفات شرعية واجتماعية وإنسانية.. وفي هذه المقالة حاولتُ جمع بعض تلك الوقفات المهمة التي يحتاج إليها كل مسلم ومسلمة، بما يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية..
ولا شكّ أن العالم قد ابتلي بسلسلة من الأوبئة قديمًا وحديثًا، وقد بات الطاعون في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مهددًا للأمّة وأبنائها، لكن تولَّى الطاعون بعد أن كان سببًا في وفاة الكثيرين.. فكيف نتعامل مع تلك الأزمة؟ وكيف نتعايش مع الوباء؟ وكيف نتعامل مع المرضى؟ وكيف نأخذ بالأسباب والوسائل الوقائية؟ كل هذه التساؤلات وغيرها نرى جوابها تباعًا في الأسطر التالية..
وقفات في التعامل مع الوباء:
- الإيمان بالقضاء والقدَر واليقين بأنه لا يقع في كون الله إلا ما شاء وأراد، واليقين أيضًا بأن من وراء كل قدر حكمة وإن غابت عنا فترة ما، قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) [التغابن:11]. فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا عاصم إلَّا الله (قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً) [الأحزاب:17].
- الأمل في ظل البلاء دين وعبادة؛ قال تعالى: (ولا تيأسوا من روْح الله). ويستلزم مع الأمل: الأخذ بالأسباب في إعانة القائمين على إدارة الأزمة في بلادنا؛ رغبة في تقليل الضرر الذي يمكن أن يلحق بالآخرين من جراء انتشار هذا الفيروس وانتقاله.
- كثرة الاستغفار والدعاء بسؤال الله العافية في الدين والبدن، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر من سؤال الله العافية (اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة) وكان يدعو: (اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري). وكان كثيرا ما يردد: [اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام ومن سيء الأسقام].
- الابتلاء من الله رفعًا للدرجات؛ كما في الحديث: «عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ».
- الحذر من بث الشائعات والأخبار غير الصادقة، التي تتحدث عن زيادة أعداد المرضى والوفيات، مما يبث اليأس والرعب والخوف في نفوس الناس، ومن يتعمّد ذلك آثم شرعًا مهما كان فكره أو نيّته؛ فالحذر الحذر، فمن قال هلك الناس فهو أهلكهم.
- ما نزلت مصيبة ولا بلاء إلا بذنب، ولا رُفِع إلا بتوبة. وأعظم المصائب ما كان في الدين، وقد روى البيهقي في شعب الإيمان عن شريح القاضي رحمه الله أنه قال: «إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات: أحمده إذ لم تكن أعظم مما هي , وأحمده إذ رزقني الصبر عليها, وأحمده إذ وفقني للاسترجاع لما أرجو فيه من الثواب, وأحمده إذ لم يجعلها في ديني».
- ما كان سببا للهلاك يجب أن يُجتنب (سواء أكّدته النصوص الدينية أو المتخصصون من الأطباء وغيرهم). ولذا يلزم شرعًا الالتزام بالضوابط التي وضعتها الدولة بناء على توجيهات الأطباء. من عدم المصافحة أو التقبيل أو العناق أو الخروج بغير الكمامة. ففوق أنه مخالَفة للقوانين فهو مخالفة شرعية؛ وفقًا لفقه المقاصد الشرعية.
- الأخذ بالأسباب في المحافظة على العافية وطلب العلاج إن ابتلي الإنسان بمرض أو أعراض مرضية، ولا يتعارض ذلك مع التوكل على الله تعالى، مع الأخذ بسبب عدم مخالطة المُبتلَى بالوباء أو المرض (سواء كانت أرض اشتهرت بذلك، أو شخص أو أفراد…). والحجر والعزل الصحي مطلب شرعي وطبي: فالوقاية في البعد وعدم الاختلاط: وقد ورد في الحديث [لا يورد مُمرض على مصح]، فمنع من اختلاط الصحيح بالمريض، وقال صلى الله عليه وسلّم: [وَفِرَّ من المجذوم كما تَفِرُّ من الأسد] (أخرجه البخاري)؛ حتى لا تنتقل العدوى، ومعلوم أنّ العدوى لا تكون إلا بإذن الله تعالى؛ فربما اختلط مريض بأصحاء فأصاب بعضهم، وبعضهم لا؛ ربما لمناعتهم، غير أن قضاء الله هو النافذ، فالمرض لا يُعدي بنفسه إلا إذا أراد الرب سبحانه وتعالى.
- لا تمرض قبل المرض، ولا تمت قبل الموت: وهي رسالة لكل من أصابه الهلع والخوف من المرض قبل أن يأتي -عافانا الله وإياكم- وهَوِّنوا المصائب تهون، وكما لا يصح التهوين فكذلك أيضًا لا يجوز التهويل.. فالمصائب تكون ثم تهون.. وكم من مرض كان ثم زال، وكم أوبئة حلت ثم اضمحلت، وتوالت ثم تولت.. والله ما أنزل من داء إلا وأنزل له دواء.. فتفاءلوا بالخير تجدوه.
- التكافل الاجتماعي والتكاتف المجتمعي مع المكروبين المتضررين في ظل انتشار الوباء؛ فهو أمر جعلته الشريعة من أولويات مقاصدها الكلية؛ باعتبار أن المصلحةَ العامة مقدَّمة على المصالح الخاصة.
- عدم النظرة الدونية لمن ابتلي بالمرض؛ فالمرض لا ينتقي ولا يُفاوِض ولا يستأذن وليس له علاقة بالغنى والفقر أو الكبير والصغير أو الذكر والأنثى أو الشهرة من عدمها أو عائلة دون أخرى. وسلوا الله العافية، ويضاف إلى ذلك أن من أخطر الجرائم المعاصرة (الشماتة) فلا تُظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك. أخي الكريم: إذا رأيت مريضًا فإياك أن تظهر الشماتة أو السخرية منه، بل ادع له بالشفاء والعافية، وردِّد سرًّا: ((الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا)).
- ومن آداب المرض والمريض: ألا يتعمّد مخالطة الناس، وأن يعمل على اجتناب الخُلْطة، ومن ستر نفسه واختلط بالناس فآذاهم فهو آثم شرعًا، فلا تحضر اجتماعات طارئة أو تذهب إلى عمل أو تركب مواصلة أو تزور غيرك. فــ [لا ضرر ولا ضرار]، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلّم: [كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه].
- استغلوا الأزمة في تحقيق ما لم تحققونه في العافية، من الصلة الاجتماعية داخل البيت في العالَم الحقيقي لا العالَم الافتراضي، العبادات الروحية والصلة بالله تعالى، تربية الأبناء، إيقاظ العلاقات الزوجية من جديد.
- الاستعانة ببعض ما ورد من الإجراءات الاحترازية التعبدية الواردة في السلامة النبوية والطب النبوي الكريم، ومنها ما يلي:
- صلاة ركعتين قبل الخروج من المنزل وركعتين عند الدخول للمنزل : فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إذا خرجت من منزلك فصل ركعتين يمنعانك من مخرج السوء، وإذا دخلت إلى منزلك فصل ركعتين يمنعانك من مدخل السوء.
- «مَنِ اصْطَبَحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ».
- «مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ في صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِى لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَىْءٌ في الأَرْضِ وَلاَ في السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ -ثَلاَثَ مَرَّاتٍ- فَيَضُرُّهُ شَىْءٌ»
- «مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ في لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ» أي من كلِّ آفةٍ وسوءٍ وشرٍّ.
- جاء في حديث عبدالله بن خُبَيْب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: خَرَجْنَا في لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى لَنَا -قَالَ- فَأَدْرَكْتُهُ فَقَالَ «قُلْ». فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ «قُلْ». فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. قَالَ «قُلْ». قُلْتُ مَا أَقُولُ قَالَ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِى وَتُصْبِحُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ».
- جاء عنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ كما في حديث عبد الله بن عمر أنّه كان لا يدع هـؤلاء الدّعوات حين يصبح وحين يمسي: «اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِى دِينِى وَدُنْيَاىَ وَأَهْلِى وَمَالِى، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِى، وَآمِنْ رَوْعَاتِى، اللَّهُمَّ احْفَظْنِى مِنْ بَيْنِ يَدَىَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي».
- دعاء الخروج من المنزل: “بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله” يقول لك المَلَك: هُديت ووُقيت وكُفيت ويتنحى الشيطان عنك.
- المداومة على الصدقة اليومية ولو بالقليل: “فقليلُ دائم خيرُ من كثيرٍ منقطع”، ومعلوم أثر الصدقة في دفع البلاء ومنع الوباء بإذن الله تعالى.
كلمة أخيرة قبل الختام:
آبائي وأمهاتي، أصدقائي وأحبابي ببلدتي العزيزة:
- رجاءً لا تستهينوا بالأمر في عقد الجنازات بصورة عادية دون الاحتياطات والإجراءات الطبية اللازمة، مثل الأخذ بسبب التباعد الجسدي وعدم التصافح والعناق والتقبيل وغير ذلك، أو الخروج بدون (الكمامة)..
- شاركوا وتعاونوا مع مَن يساعدونكم وأبناءكم وإخوانكم في التعقيم العام للبلد ومحاولة تقليل الضرر.
- نشر الوعي والثقافة بخطورة المرض نحو من لديهم قلة وعي بالخطورة، وطرق التعامل المناسبة مع الوباء.
- في الأسواق وعند البيع والشراء يلزم الحذر الشديد من التقارب البدني.
- تعقيم اليدين ولبس الجاونتي والكمامة باستمرار عند الخروج خارج البيت للضرورة.
- ركوب المواصلات يكون بحذر، وعلى كبار السن وأصحاب الأمراض (كالسّكر والضغط …….) التجنب الدائم للخروج من البيت إلا لأمر طارئ صعب وشديد لا يُقضَى إلا بك.
- لا يصح النظرة السلبية لمن أصيب بالمرض أو شكّ في إصابته؛ فقد تكون أنت –عافاك الله- أو أنا –عافانا الله جميعًا-؛ فليست شطارة ولا فهلوة منك أن لم تتعرض لأذى المرض..
- حافظوا على أبنائكم وعلموهم أن ما نحن فيه قدَر من الله لحكمة قد تنجلي قريبًا قريبًا. وربوهم على الإحساس بالمرضى والمكروبين.
- حافظ على صلاتك في بيتك مع أهلك وأسرتك، وذكّرهم بالدعاء واللجوء إلى الله تعالى.
- لا تنقل شائعة عن عدد الإصابات في البلد، ولا تردد أي كلام بدون تيقّن، وحتى لو تيقّنت من أمر فأمسِك لسانك، إلا إذا رأيت ضررًا قد يقع على غيرك من أذى مبتلى أو مريض ما.
- من أصيب أو شكّ في مرضه: اعزل نفسك بعد العرض على الطبيب مباشرة، ولا تتهاون في هذا الأمر..
هذا دور الأفراد، ويلزم الدولة أن تقوم بدورها في حماية أبناء المجتمع عن طريق الإجراءات الطبية الواقية والمعالِجَة، وأن تشرّع القوانين وتسنّ العقوبات لمن خالف أو آذَى غيره بالضرر الوبائي، أو تخلّى عن الوسائل الطبية التي أشار إليها المختصون؛ رغبة في تقليل الوباء وانتشاره بين الناس.