كن مؤمنا وكفى
بقلم/ عبد الرحمن علي البنفلاح
قال الله تعالى: «قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً إن الله غفور رحيم» (الحجرات 14). الآية الجليلة تشير إلى حقيقة لا يدنو منها الشك ولا تساورها الظنون في أن الإسلام غير الإيمان إذا اجتمعا بمعنى أنه إذا ذكر الإسلام والإيمان في موضع واحد، فهذا دليل على أن الإسلام هنا له معنى مغاير لمعنى الإيمان، فالأعراب قد اختلطت عليهم المفاهيم وظنوا أن الإسلام هو الإيمان، فصحح لهم القرآن هذا الفهم القاصر، وبين لهم أن الإسلام غير الإيمان، وإذا كان الإسلام إسلام قلب، فإن الإيمان إسلام قلب، وإذا كان الإسلام محله الجوارح الظاهرة، فإن الإيمان محله القلب، وهذا واضح في الآية.
لقد أكد لهم القرآن إسلام القالب، ونفى عنهم إسلام القلب، والإسلام لا يتحقق بإسلام الجوارح فقط بل لا بد من إسلام القلب لأنه الأمير على الجوارح، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه المشهور الذي قال فيه: «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» حديث صحيح رواه مسلم. والآية التي صدرنا بها هذه المقالة تحمل من الرجاء ما يطمئن الأعراب الذين ظنوا أنه بمجرد إقامتهم أركان الإسلام الظاهرة قد بلغوا درجة الإيمان، وأنه لا حاجة إلى مزيد من الإيمان فنفى عنهم القرآن صفة الإيمان وأثبت لهم صفة الإسلام. ولم يقطع رجاءهم في أن يبلغوا رتبة الإيمان إذا هم أخذوا بأسبابها، وأسبابها أن يفعّلوا أركان الإسلام في واقعهم، وتستجيب جوارحهم لأوامر مولاهم ونواهيه، فالصلاة مثلاً لا تتحقق الغاية منها ما لم تنه صاحبها عن الفحشاء والمنكر، والصوم لا يبلغ درجة القبول ما لم ينه عن قول الزور والعمل به، وقل كذلك عن الزكاة والحج وسائر الطاعات، ثم على المسلم إذا أراد بلوغ درجة الإيمان، ويصبح مؤمنا ملتزما يشار إليه بالبنان، ويعرف بسلوكه لا بأقواله، فعليه أن يأمنه الناس على أموالهم وأنفسهم عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن من أمنه المسلمون على دمائهم وأموالهم…» عن ابن تيمية (مجموع الفتاوى/صحيح بعضه في الصحيحين).
متى ما تحقق الإيمان للناس في دمائهم وأموالهم في واقع المؤمن فذلك دليل على تحقق صفة المؤمن في المسلم، وفي ترقيه من مرتبة المسلم إلى مرتبة المؤمن.
ومن أدلة ارتقاء المسلم إلى هذه الدرجة العظيمة، واكتمال صفة الإيمان فيه ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وحتى يقذف في النار أحب إليه من أن يعود في الكفر، بعد إذ نجاه الله منه، ولا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده، ووالده والناس أجمعين» عن أنس بن مالك رضي الله عنه، اسناده صحيح على شرط الشيخين.
حين يبلغ المسلم هذه المنزلة وتتحقق فيه هذه الصفات ويزهد في الدنيا كناية، ويأخذ منها القدر الذي يوصله إلى الجنة، والنجاة من النار، ثم هناك منزلة إذا بلغها المسلم تحقق له ولمجتمعه الأمن والأمان وهي في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» متفق عليه. بهذا تكون مؤمنا أيها المسلم، وألا تقف عند حد الإسلام الذي هو إسلام الجوارح وأداؤها للطاعات فقط.