البرلمان الإيراني الجديد إلى أين؟
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
أستاذ الدراسات الإيرانية
بدأ البرلمان الإيراني الجديد عمله بعد أن تم تشكيله حسب ما رؤية الزعيم الإيراني آية الله سيد علي خامنئي، ومن خلال الضوابط التي وضعها، والسمات التي يجب أن يتسم بها، وإن كان قد اتخذ الشكل الديمقراطي، حيث تشكل البرلمان من خلال انتخابات عامة. لذلك من الطبيعي أن نتساءل: البرلمان الإيراني الجديد إلى أين؟!
بعد ظهور نتيجة الانتخابات حدثت لقاءات متعددة بين قيادات الأصوليين الذين يشكلون أغلبية ساحقة في البرلمان الجديد، للاتفاق على تشكيل هيئة رئاسة البرلمان، والخطوط العريضة التي ينبغي أن يسير عليها، وقد استطاعت قيادات الأصوليين الاتفاق على تشكيل هيئة رئاسة البرلمان، حيث تم التصويت ونجح مرشحوهم بأغلبية ساحقة، فكانت رئاسة البرلمان والسلطة التشريعية لمحمد باقر قاليباف(٢٣٠ صوتا)، وتم انتخاب سيد أمير حسين قاضي زاده هاشمي نائب مشهد (٢٠٨ صوات) نائبا أول، علي نيكزاد نائب أردبيل(١٩٦ صوتا) نائبا ثانيا، وكلاهما من أنصار الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، محمد حسين فرهنكي ومحسن بير هادي وعليرضا سليمي مراقبين،(وهم من أنصار أحمدي نجاد) أحمد أمير آبادي فراهاني وسيد ناصر موسوي لاركاني وحسين عليحاجي دليكاني وسيد محسن دهنوي وروح الله متفكر آزاد وعلي كريمي فيروز جايي، أمناء بهيئة رئاسة المجلس.(وكثير منهم من أنصار أحمدي نجاد)
كان الزعيم السابق آية الله الخميني يقول: البرلمان على رأس الأمور، لكنه لم يفسر ما يقصده بالتحديد حول صلاحيات البرلمان، إلا أن يكون النظام هوالقيادة الشعبية الدينية، لكن الدستور الذي تم وضعه والعمل به، يجعل ضمن السلطة التشريعية مجلسا آخر هو مجلس الرقابة، وهو المجلس الذي يراجع ويحدد المرشحين، ثم يراجع دستورية ومذهبية قوانين البرلمان، ومن ثم كان الصراع دائما حول مفهوم الرقابة، هل هي رقابة توجيهية أم رقابة تصحيحية! ويصر مجلس الرقابة على أنها تصحيحية بحكم الصلاحيات التي منحها الدستور له، في حين يرى البرلمان أنها توجيهية فقط، أي ليست ملزمة. وهنا يري المشرعون أن الزعيم الراحل ذكر أن البرلمان على رأس الأمور، ولم يذكر أنه على رأس السلطات أو رأس البلاد، ومن ثم فإن دور البرلمان هو وضع القوانين لتنظيم العلاقات العادلة في البلاد ومع الدول الأخرى، فضلا عن تحديد وتسهيل مسيرة تقدم البلاد، وبناء على هذه القوانين تتم الرقابة على تنفيذ القوانين، من هنا يكون القانون على رأس البلاد. لذلك يتحتم التدقيق في اختيار أعضاء البرلمان، وكيفية سير العمل فيه، والسياسة التي يتعامل بها، سواء مع المواطنين أو السلطتين الأخريين. يقول المحلل السياسي حجة الإسلام أبو القاسم عليزاده: إن أهم ما ينبغي أن يضعه البرلمان في اعتباره هو النظر للمستقبل، والإيجابية في التفكير، والإيجابية في العمل فهذا هو سبيل حل مشكلات الشعب والبلاد.(وكالة أنباء فارس في ٣٠/٥/٢٠٢٠م)
لقد وضع محمد باقر قاليباف في أول كلمة له أمام البرلمان الجديد ملخصا وافيا لمنهج سير البرلمان الجديد بقوله: إن قدرة إدارة الأجهزة التنفيذية مضطربة وليست إيجابية، وتركز على النظر للخارج، ولا تعتمد الإدارة الجهادية في كثير من أسس ومتضمنات القدوة، وسوف يكون البرلمان منطقيا وثوريا مع الحكومة، وسوف يوجه الحكومة إلى الجهة المطلوبة مستفيدا بحجمه التقنيني وخاصة الرقابي. إن الشهيد قاسم سليماني هو قدوة هذا البرلمان في عمله، فهو لن يتوانى في تتبع حقوق الناس، وليست له عداوات، وسيحذف أو يصلح الموانع القانونية للحكومة في سبيل خدمة الجماهير، كما أنه في نفس الوقت لن يسمح للحكومة أن تتغاضى عن تنفيذ وتطبيق القوانين التي تحل مشاكل الناس.(وكالة أنباء فارس في ٣١/٥/٢٠٢٠م)
كذلك أعلن رئيس البرلمان الإيراني الأسس التي سيسير عليها البرلمان الجديد في سبع نقاط: الإيمان بمباني القرآن والسنن الإلهية والاستعانة المستمرة بها والتي تبلورت في ولاية الفقيه والقيادة الشعبية الدينية، شعبية الإدارة، وخاصة في المجال الاقتصادي، جبر النقص والقصور بمساعي جهادية متفائلة، وحدة الكلمة بين الشعب وتوجهات النخبة، الاهتمام بجيل الشباب وإزالة كل العقبات في طريق قدرته على العمل والإنجاز، الاهتمام بالعدالة مع أولوية المحرومين والمستضعفين والطبقة الوسطى.(وكالة أنباء فارس في ٣١/٥/٢٠٢٠م)
بناء علي ظهور توجهات البرلمان الجديد يتوقع المحللون والخبراء أن البرلمان الجديد وتوجهه مقدمة لنجاح الأصوليين في انتخابات رئاسة الجمهورية القادمة بعد أقل من عام (أبريل ٢٠٢١م، واستمرار حكم الأصوليين خلال السنوات الثماني القادمة، بل يتوقع أبرزهم مثل الدكتور صادق زيبا كلام أستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران أن يتولى أصولي متشدد رئاسة الجمهورية، أو محمود أحمدي نجاد نفسه، وقال محسن هاشمي رفسنجاني رئيس العاصمة طهران: إن الإصلاحيين سقطوا من أعين الناس، وعلى الإصلاحيين الراديكاليين أن يختاروا بين أن يكونوا إصلاحيين أو معتدلين.(صحيفة تابناك في ٢٨/٥/٢٠٢٠م) ويحذر بعض المحللين البرلمان الجديد بأن يترك التشدد ويتجه إلى الاعتدال، وإلا فإنه سيفقد ثقة الشعب في أن يتولي أصولي رئاسة الجمهورية. كما طالبت الصحف وأجهزة الإعلام البرلمان الجديد بعدد من الالتزامات، أولها الشفافية من أجل تحقيق مطالب الطبقات الضعيفة، سواء الشفافية في التصويت على القرارات والقوانين، أو الشفافية في طرح القضايا والعمل عليها، أو في الأموال والهدايا التي يحصل عليها الأعضاء، أو في الرؤية التقنينية، وكان الحرص على دعم الاقتصاد وتنميته وتطوره لصالح الطبقات الفقيرة من الالتزامات الهامة التي طالبوا بها، من أجل رفع مستوي معيشة المواطنين، خاصة الفقراء. أما الالتزام الثالث فكان متعلقا بضرورة التخصص في عضوية وعمل لجان البرلمان.
لقد صدر من جانب جيش حراس الثورة رد فعل مؤيد تجاه مسيرة البرلمان الجديد، حيث صرح اللواء حسين سلامي القائد العام لجيش الحراس بقوله: لقد شهدنا انتخابات رائعة في بلادنا تحت ظروف الضغط السياسي الأمريكي والصهيونية، ثم افتتحنا برلمانا ثوريا يخطو في مسار ولاية الفقيه، وإن جيش الحراس حاميه ومدعمه أيضا.(وكالة أنباء فارس في ٢٩/٥/٢٠٢٠م)