متابعة-بهاء المهندس
تؤمن سلطنة عُمان بأنَّ الحوار الجادَّ الهادف والبنَّاء هو السبيل الوحيد الناجع لحلِّ الأزمات والصراعات على الساحة الدولية والمحلِّية للدول، لذا جعلت الحوار الرَّصين الهادئ البعيد عن الانفعال والتشنُّج سِمَة أساسية لسياستها الخارجية، ومنطلقًا لعلاقاتها الدبلوماسية، لِتُعبِّرَ عما تؤمن به بالفعل والقول معًا. فالحوار هو الطريق المُمهِّد لإحداث تعاون يبني جسور الثقة ويُعليها، لِتكُونَ نواة لإحداث التنمية المستدامة الشاملة التي تصبُّ في مصلحة الشعوب، وتعمل على تحقيق حياة الرفاهية المنشودة لها، دُونَ الدخول في صراعات وتشنُّجات تأخذ من الرصيد التنموي للدول، ويهدر مقدَّراتها الوطنية بدلًا من إنمائها بشكلٍ يُعبِّر عن طموحات وتطلُّعات الشعوب، فطريق الوصول للغايات والأهداف يعتمد على الحوار كطريقة مرِنة قادرة على إقامة تواصلٍ يسدُّ البون والخلاف في الأزمات على الصعيدين المحلِّي والدولي، لذلك جعلته سلطنة عُمان مرتكزًا وطنيًّا في تكوينها ينعكس على جسور العلاقات الدولية والإقليمية الممتدَّة مع الدوَل الشقيقة والصديقة.
وفي هذا الإطار، جدَّدت سلطنة عُمان دعوة المُجتمع الدولي إلى بذلِ المزيد من الجهد والعمل على إعلاء وإرساء سُبل الحوار الجادِّ والفعَّال لوقف انتهاكات حقوق الإنسان مهما كانت دوافعها ومُسبِّباتها. وبحسب الرؤية العُمانية فإنَّ تلك الانتهاكات تؤثِّر على سلامة بناء المُجتمعات، وتجعلها مُهدَّدة بالتحلل والتفكك الذي سيكون له مردود كارثي يحُول بَيْنَ الدولة وجهود بناء المستقبَل، لذا سيكون الحوار بَيْنَ مختلف الفئات الاجتماعية هو البوابة الرئيسة لإحداث السلام الاجتماعي المنشود، والذي يرسخ على قاعدة حماية حقوق الإنسان بكافَّة أنواعها، والعمل على عدم انتهاك تلك الحقوق مهما كانت المبررات. فبناء الأوطان يحتاج لمساهمة كافَّة أبنائه، وتضافر جهودهم المُخلِصة، وحتى على الصعيد العالمي، فالحوار القائم على احترام حقوق الإنسان هو بوابة إنهاء الصراعات، وهو القادر على إنهاء التحدِّيات بكافَّة أشكالها وصُوَرِها، خصوصًا مع ما تمرُّ به المعمورة من أزمات اقتصادية وسياسية، باتت تهدد الوجود الإنساني دُونَ مبالغة.
عليه، حرصت سلطنة عُمان على استخدام المنبر الأُممي في الدورة الـ(51) لمجلس حقوق الإنسان المقامة في جنيف، حيث أكَّدت السَّلطنة في كلمتها على ضرورة إيجاد حلول نزيهة وفورية ودائمة لكُلِّ القضايا العالقة والشائكة بالطُّرق السِّلمية، وعلى أهميَّة معالجة جذور وأسباب العنف والعنف المضادِّ، وإنهاء حالات الاحتلال والاستيطان وفقًا للقرارات الأُممية ذات الصِّلة، وأكَّدت سلطنة عُمان ضرورة تحقيق الاستقرار والرخاء لكُلِّ الأُمم والشعوب على قَدَم العدالة والمساواة، وضمان التغلُّب على التحدِّيات الراهنة لجعلِ عالمنا أكثر أمنًا وأمانًا لتنعم فيه الإنسانية جمعاء بالكرامة والحرية والعيش المستقر.
إنَّ هذه الوصفة العُمانية للتعايش السِّلمي القائم على الاحترام المتبادل بَيْنَ الدوَل وداخلها، والمتمسِّكة بالحوار كوسيلة وحيدة لحلحلة الأزمات، هي البوابة الحقيقية لعالم ينظر إلى المستقبَل ويسعى إلى التعاون لتحقيق الرفاهية المطلوبة، أو على الأقلِّ توفير السُّبل الرئيسة للحياة؛ وذلك بهدف إقامة منظومة راسخة تُسهم في بناء مستقبَلٍ واعد يُعدُّ حقًّا أساسيًّا للأجيال القادمة، بدلًا من توريثهم صراعات وأزمات تعيق تقدُّمَهم وتأكل مقدَّراتِهم، فالإنسانية جمعاء يَجِبُ أنْ تستمع للنصيحة العُمانية، وأنْ تعمل لِمَا فيه الخير لأبناء الحاضر والمستقبَل، بدلًا من استمرار تلك الصراعات التي تهدم بدلًا من أنْ تبني مستقبلًا واعدًا مليئًا بالتفاؤل، يُحقِّق مبادئ العدالة والمساواة، ويُعلي من القِيَم الإنسانية ويحرص على تطبيقها.