مكانة المساجد في قلوب المسلمين (2)
صبري عبد الباقي علام
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف
المساجد التي هي بيوت الله هي خير بقاع الأرض وأحبها إلى المولى جل وعلا . لهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” أحب البقاع إلى الله مساجدها ، وأبغضها إليه أسواقها ” .رواه مسلم ، لأجل ذلك فإنه يحسن بنا أن نقف وقفات عجلى مع آداب المسجد وشيء من أحكام الحضور إليه والجلوس فيه . فمن ذلك :
أولاً : الإسهام في بناء المسجد وعمارته هو من سمات أهل الإيمان الذين يرجون موعود الله والدار الآخرة . وعمار ة المسجد على نوعين :
عمارة حسية : ويعنى بها بناء مكان يأوي إليه الناس ليصلوا فيه ويتعبدوا ربهم تحت جدرانه .
وقد ثبت جملة من النصوص الشرعية تحث على بناء المساجد والعناية بشؤونها وحفظها من الأوساخ والأدران ، ومنع السفهاء والغوغاء من الإضرار بها. فمن ذلك :
قال تعالى : ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخشى إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المفلحين )
وحذر من إفسادها فقال: ( ومن أظلم ممن منع مساجد أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزيٌ وفي الآخرة عذابٌ عظيم )
وعند أبي داود عن عائشة _ رضي الله عنها _ قالت : ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب ،، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال صلى الله عليه وسلم : ( من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة).
وأما عمارة المساجد المعنوية والتي هي الأصل الأصيل في العمارة فالمراد بها أداء الصلاة فيها والاعتكافُ وقراءة القرآن وذكر الله ، واتخاذها منطلقاً للتوجيه والتربية ونحو ذلك .
أما مجرد عمارة المسجد وزخرفتِه والتباهي بحسن بنائه وتصميمه مع خلوه من العباد والمصلين فليس مراداً في الشرع كما هو حاصل في كثير من بلاد الإسلام اليوم ، ولله درّ القائل :
منائركم علت في كل حيٍّ * ومسجدكم من العبّاد خالي
وجلجلة الأذان بكل فجٍّ * ولكن أين صوتٌ من بلالِ ؟!
إن العمارة الحقيقية للمسجد هي إحياء ذكر الله فيه وإقام الصلاة يقول تعالى 🙁 في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار)
وفي صحيح مسلم عن أني هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ قلنا : بلى يا رسول الله .قال : ” إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطى إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط “، وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم :” إذا توضأ أحدكم فأحسن وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه خطيئة حتى يدخل المسجد ، وإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت تحبسه ، وتصلي عليه ( يعني الملائكة ) ما دام في مجلسه الذي يصلي فيه : اللهم اغفر له اللهم ارحمه مالم يحدِث فيه
ثانيا ً : من آداب المسجد أن يؤتى إليه مشيا مع أن الركوب إليه لا حرج فيه لكن المشي أعظم أجرا ولا شك ،ودونكم جملة من الأحاديث تبين فضل المشي إلى المسجد :
روى البخاري عن أبي موسى الأشعري _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم ”
وفي صحيح مسلم عن أبيِّ بن كعب _ رضي الله عنه _ قال : ( كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد إلى المسجد منه وكان لا تخطئه صلاةً ، فقيل له : لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء . قال : ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي ) .فأخبر النبي عليه السلام بذلك فقال : ” قد جمع الله لك ذلك كله .
عن جابر بن عبدالله _ رضي الله عنهما _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني سلمه حين أرادوا القرب من المسجد لبعد بيوتهم : ” يا بني سلمة : دياركم تكتب أثاركم ، يابني سلمة : دياركم تكتب أثاركم .
وفي سنن الترمذي عن بريدة الأسلمي _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة” والأحاديث في هذا الباب كثيرة ومستفيضة .
ثالثا : من آداب المسجد المواظبة حضور صلاة الجماعة.
إن فضل صلاة الجماعة مشهور معروف فيكفي أن الذي يصلي في الجماعة يضاعف له الأجر على من صلى منفردا سبعا وعشرين درجة .