في الوقت الذي تدعو فيه مصر، التي ستترأس مؤتمر المناخ السابع والعشرين للأمم المتحدة (كوب 27) في
نوفمبر القادم، العالم إلى مواجهة الواقع والعمل سويًا من أجل تحقيق نتائج فيما يتعلّق بقضية تغيّر المناخ،
وتأكيدًا على ما تعهّدت به الدول في تعزيز طموحاتها المناخية بعد قمة المناخ الأخيرة (كوب 26) في
جلاسكو 2021، ورغم التزامات الدول الموقّعة على "إتفاق باريس"، الذي ينصّ على حصر احترار
المناخ بدرجتين مئويتين مقارنةً بعصر ما قبل الثورة الصناعية، وبـ1.5 درجة مئوية إذا أمكن، ما زالت
هذه الإجراءات لم تتحقق على أرض الواقع.
وبالرغم من تعهّد الدول الغنية زيادة مساعداتها إلى 100 مليار دولار سنويًا، في عام 2020، للبلدان
الفقيرة لتقليل انبعاثاتها والتكيّف مع آثار تغيّر المناخ، إلا أن هذه التعهدات مازالت موضع خلاف ولم تتحقق
من الناحية العملية، علاوةً على تراجع قضية تغيرات المناخ على الساحة الدولية بسبب الوضع الجيوسياسي
فالعمليات العسكرية في أوكرانيا والعقوبات التي تم فرضها على روسيا تسبّبت بأزمة اقتصادية وطاقة
وغذاء عالمية.
وعلى مايبدو أن قارّة أفريقيا ستتحمل أكثر من غيرها من تبعات فيما يخص قضية التغيرات المناخية، على
الرغم من عدم مساهمتها بشكل كبير فيها مقارنة بالدول المتقدمة، حيث تواجه أفريقيا ارتفاع معدلات
درجات الحرارة أسرع من باقي دول العالم، على الرغم من أنها مسئولة فقط عن 3,8% من غازات
الاحتباس الحراري العالمي وهي أقل نسبة انبعاثات على مستوى العالم؛ ويتوقع المحللون أن تواجه أفريقيا
زيادات كارثية في درجات الحرارة تصل إلى 3 درجات مئوية بحلول عام 2050، إذا لم يتحقق هدف الحدّ
من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
ولقد انعكست التغيرات المناخية على المشروعات التنموية في القارة الأفريقية، التي تضم نحو 1.2 مليار
نسمة، نصفهم لا يحصلون على الكهرباء، وهي مجموعة تعادل مجموع سكان الاتحاد الأوروبي، وبالرغم
من إصدار الإتحاد الأفريقي توجيهاته للدول الأفريقية بزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة بحلول
عام 2050، إلا أن عدد قليل جدًا من الدول مثل جنوب أفريقيا ومصر وإثيوبيا والمغرب، التي لديها قدرات
عالية في مجال الطاقة المتجددة حاليًا.
وعند التحول إلى الأزمة التي يشهدها العالم من نقص في الغذاء والطاقة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية،
فنجد أن روسيا ترد على العقوبات الدولية المفروضة عليها حيث خفضت إمدادات الغاز منذ أسبوعين إلى 5
دول في الإتحاد الأوروبي، بما في ذلك ألمانيا، وهي دول تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي لتوليد
الكهرباء وصناعة الطاقة.
ولقد قامت شركة غازبروم الروسية بقطع إمدادات الغاز عبر خط أنابيب "نورد ستريم 1" الذي يمر تحت
بحر البلطيق من روسيا إلى ألمانيا، وهو خط أنابيب الغاز الطبيعي الرئيسي في أوروبا، كما شهدت النمسا
والتشيك وسلوفاكيا تخفيضات للغاز الروسي، ويأتي ذلك عقب عمليات إغلاق روسيا إمدادات الغاز إلى
بولندا وبلغاريا والدانمارك وفنلندا وفرنسا وهولندا بالأسابيع الأخيرة.
وفي ظل استمرار العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا وسط تعنت في عدم الاستجابة للمطالب الروسية
لإنهاء الأزمة من قبِل أوكرانيا ودول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية قامت روسيا بمطالبة
جميع الدول "غير الصديقة" وفقًا لوصفها بدفع ثمن الغاز الروسي بالروبل ردًا على حزمة العقوبات الغربية
المفروضة عليها وهو ما تم رفضه من دول الإتحاد الأوروبي، لتسارع بعدها أكبر دول مشترية للغاز
الروسي في أوروبا إلى البحث عن إمدادات وقود بديلة، معلنةً نيتها أن تتجه دول القارة إلى حرق المزيد من
الفحم للتغلب على نقص تدفقات الغاز الروسي، وهو ما يُعد ضربة قاسمة وتقود جهود التصدي للتغيرات
المناخية.
وفيما يبدو أنه سيصبح إتجاه لدول الإتحاد الأوروبي أشارت كلًا من ألمانيا، والنمسا، وهولندا إلى نيتها في
الاستعانة بمحطات الكهرباء التي تعمل بالفحم عوضًا عن التي تعمل بالغاز واقترحوا أن تحذوا باقي دول
القارة الأوروبية حذوها لكي تجتاز أزمتها في نقص إمدادات الغاز الروسية وزيادة أسعار الغاز ومطالبة
روسيا الدفع بالروبيل .
والغريب في الأمر أن تقوم ألمانيا بتشغيل محطات كهرباء تعمل بالفحم كانت تهدف إلى التخلص منها
تدريجيًا، وأن يتخذ مثل هذا القرار في ظل وجود حكومة ائتلافية تضم أكبر عدد من المدافعين عن البيئة
والذين يناصرون التصدي للتغيرات المناخية وتعهدوا بالتخلص التدريجي من الفحم بحلول عام 2030،
وليس كل هذا فحسب بل من المنتظر أن يناقش المجلس الأعلى بالبرلمان الألماني قانونًا عن التحول من
الغاز إلى الفحم في يوليو الشهر المقبل، وفي النمسا، اتفقت الحكومة مع شركة، على تحويل محطة للكهرباء
تعمل بالغاز إلى الفحم لمواجهة نقص الغاز.
وإذا أمعنا النظر في تلك الإجراءات والتحول الدراماتيكي في سياسات دول الإتحاد الأوروبي التي تفكر في
مصلحتها فقط حتى ولو على حساب غيرها من الدول فإننا نجد بشكل واضح وقاطع حالة من ازدواجية
المعايير في معالجة القضايا الاقتصادية والسياسية على حساب القضايا المناخية والأخلاقية، فلقد أصبح
الفحم أكثر ملوثات البيئة أفضل لمجرد الرد على التعنت الروسي حتى ولو على حساب الدول الأخرى،
وبالتالي فإن ثمن الحرب الدائرة ستدفعها دول العالم أجمع بشكل عام، وأفريقيا بشكل خاص حيث ستتكبد
أفريقيا ثمن العناد الأوروبي مع الدب الروسي، والمتمثل في أزمتي الغذاء والتغيرات المناخية.
جميع الحقوق محفوظة | جريدة صوت الشعب الإلكترونية 2020