من إيجابيات جائحة كورونا
مكانة المساجد في قلوب المسلمين ( 1)
صبري علام
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف
الحمد لله الذي جعل المساجد أبواب رحمة للناس وملجأ للآمنين وملاذا للخائفين، فعلق بها قلوب من شاء من عباده كما جاء في الحديث الشريف على لسان نبيه ومصطفاه (( عن أبي هريرة قالَ: قالَ رسُولُ اللَّه ﷺ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، )) متفقٌ عَلَيْهِ.
وبعد:
فإنه من المسلم به أنه لا يوجد بعد عهد الحبيب المحبوب خير محض ولا شر محض، بل إن كل خير فيه دخن والمنحة تأتي من المحنة والفرج مع الصبر والفرج ملازم للضيق وشعاع الفجر يظهر بعد ظلمة الليل الشديدة، وهكذا فالمتتبع لأحوال أغلب الناس في الفترة الماضية يجد شدة حاجة الناس إلى بيوت الله وأنهم لم يشعروا بأي طعم للحياة سواء من ناحية العادة أو العبادة لأنهم مقطوعون عن حبل الاتصال الموصول بالله ألا وهو المساجد، وسأحاول في المقالات التالية الوقوف على مكانة المساجد عند الله وعند رسوله وعند المسلمين.
أولا : حالة العرب قبل مجيء الإسلام .
لقد كان العرب في الجاهلية أمة ممزقة لا يربطها رابط ، ولا يلمها شعار . فوضى في الحياة ، واضطراب في الموازين ، وخلل في نظم العيش ، حتى أراد لله لهذه الأمة العزة بعد الذل ، والرفعة بعد الانحدار وذلك حين أكرمها بأعظم رسول وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، وحين اختار لها أعظم شريعة ، وهي شريعة الإسلام الخالدة المطهرة من كل نقص وعيب .
وكان المسلمون في بداية أمرهم ضعفاء يخافون أن يتخطفهم الناس . وظلوا على تلك الحال ثلاث عشرة سنة حتى أذن الله لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بالهجرة فهاجر هو وصحابته إلى المدينة التي كانت تسمى ( يثرب ) . فبدأت بذلك مرحلة جديدة من تاريخ الإسلام ؛ بل هي في الحقيقة البداية لدولة الإسلام الفتية .
لقد أدرك الرسول القائد ، والمعلم الحاذق : رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم أن أصحابه ومن دخل في دينه يحتاجون إلى تربية وتعليم ، وتوجيه وإرشاد ، وذلك يتطلب مكاناً يجتمعون فيه ، ويتدارسون شرائع الإسلام وأحكامه في رحابه . فكان أول عمل بدأ به _عليه السلام _ أن شرع هو وصحابته الكرام في بناء المسجد كما جاء ذلك عن أنسِ بْنِ مَالِكٍ _ رضي الله عنه _ قَالَ : قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ أَعْلَى الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ ( بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ) … وَأَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلأ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فَقَالَ :” يَا بَنِي النَّجَّارِ ، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا ” قَالُوا : لا وَاللَّهِ لا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلا من اللَّهِ . فَقَالَ أَنَسٌ : فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ : قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ وَفِيهِ خَرِبٌ وَفِيهِ نَخْلٌ . فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالْخَرِبِ فَسُوِّيَتْ ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ . فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ الْحِجَارَةَ ، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ وَهُوَ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ لا خَيْرَ إِلا خَيْرُ الآخرهْ * فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ
منذ تلك اللحظة صار المسجد منارة تشع في أرجاء دولة الإسلام الناشئة ، وقبساً يشع في سمائها الوضّاءة : حيث أصبح مكان أداء العبادة من الصلوات والاعتكاف ، كما أصبح ملتقىً للمسلمين ومنتدىً لحواراتهم .وهو المكان الذي يبث من خلاله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أحاديثه النورانية فيصلح المعوج ، ويهدي الضال ، ويرشد الحائر ، وينفس عن المكروب ، كما أنه كان أيضاً كان بداية الانطلاقة لجيوش الإسلام التي فتحت مشارق الأرض ومغاربها ، في عهده وعهد من جاء بعده من خلفاء المسلمين .