خربشات في الضمير:
ظلم المرأة في الميراث وأحيانا الرجل!
أ.د/ غانم السعيد
عميد كلية الإعلام جامعة الازهر
يسود في مجتمع الريف اعتقاد جازم بأن المرأة لا حق لها في الميراث ، وياويلها ، ويا سوء حظها إن نبست ببنت شفة ، بل بدرت منها مجرد إشارة بأن لها رغبة في ميراثها! ! ، فإن الدنيا تقوم عليها ولا تقعد ، ويتعاملون معها ومع أبنائها بتنمر كما يتعامل السفهاء مع مريض (كورونا)، حظر ، ثم تباعد وقطيعة ، ثم ازدراء، وإن ماتت أو مات لها أحد لا يشيعون جنازتهم ، ولا يسمحون بدفنهم في قبورهم.
وإن ظهر من بعضهم سماحة في إعطاء شيء لها من ميراثها، فبشروط القهر والظلم والإذعان التي تتلخص في الآتي :
* ما أعطيه لك ترضين به وتوافقين عليه وتسبحين بحمدي أمام الناس.
* ما سأعطيه لك لن تتسلميه، بل هو وديعة عندي أزرع فيه وأقلع إلى أن تأتيني رغبتي في الشراء.
* إن رغبت في الشراء فبأقل من نصف السعر الذي يشتري به الناس.
* وفي حالة ما إذا تم الشراء فإن المبلغ سيقسط على سنوات بحيث لا يزيد القسط عن ثمن خمسة كيلوات فلفل ، أو با ذنجان مع عدد من حزم الجرجير والكرات.
* ويبقى الشرط الأخير له وهو أن تلتزم بالدعاء له في كل خلوة وصلاة بالستر والغنى وصلاح الحال.
ولا تملك الأخت البائسة المسكينة إلا أن تقبل بكل الشروط مع تنفيذ أهم شروط الظالم الآثم قبل القيام من مجلس الاتفاق، فترفع لربها يد الضراعة لتدعو بدمع منهمر ينطق به اللسان، ويرفضه الجنان لأن في القلب شجن وانتحاب يخالف منطوق اللسان.
ثم يقول لها أخيرا : أختي بنت أبي وأمي أتريدن شيئا بعد هذا العطاء ؟؟ فتقول له : أخي طلب واحد، سينتظر حقي الأحفاد فأوصهم بالدعاء لي بالرحمة والغفران.
وكثير من أهلنا في الريف يدخلون بعض إخوتهم الذكور في جداول الحرمان لا لشيء إلا لأنهم تعلموا وتفوقوا وتوظفوا؛ لأنه ( بسلامته) يرى ميراث أخيه أخذه في تعليمه، فكيف يتعلم ويرث ؟؟ أما يكفيه أنني تركت التعليم من أجله، وعشت حياتي في الأرض أزرع وأحصد لينفق عليه كي يتعلم ، هكذا يبرر لنفسه ظلمه وإثمه ، وهو في الحقيقة ما فعل ذلك رغبة منه لكن لأنه فشل في التعليم وخرج خاسئا مدحورا لغبائه وقلة حيلته ، فهو بهذا الحرمان يعاقب أخاه على ذكائه وتفوقه ونجاحه.
والأدهى من ذلك والأمَرُّ أن كثيرا من أصحاب فرمانات حرمان الأخت والأخ من ميراثهم الشرعي ، أسرع الناس ذهابا إلى المساجد إذا نودي للصلاة ، وأكثرهم صياما على مدار العام ، وأدمعهم عيونا عند القيام والتهجد ، وأشدهم حرصا على العمرات والحِجَّات، بل منهم من هم أصحاب مساويك ومطلقو لِحَى ، وحالقو شوارب، ومقصرو أثواب.
((يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)).