القرآن يهدي كل راعٍ إلى غايته
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
أستاذ الدراسات الإيرانية
إذا كانت السياسة فكرا، فالقرآن يدعو للتفكر، وإذا كان فكر السياسة ميكيافيليا بمعنى أن الغاية تبرر الوسيلة، فإن القرآن يوضح الغاية ويحدد الوسيلة، وإذا كانت السياسة تحقق مصلحة، فإن القرآن يهدي إلى المصلحة بحياة طيبة في الدنيا ونعيم في الآخرة، من ثم فإن فصل القرآن عن السياسة خسارة كبيرة للسياسة، وتقصير كبير في حق القرآن. ومن هنا يقول بعض الناس إن القرآن غريب بين أهل القرآن.
السياسة ليست متعلقة بالنظام أو الحكومة فقط، بل السياسة لكل راع، وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، ومن ثم يبين القرآن الكريم لكل راع سياسته، فيهديه إلى غايته ويوضح له آليات تحقيقها، ابتداء من النظام والحكومة، مرورا بالأنظمة الصغيرة والمؤسسات الكبيرة المساهمة والتعاونية والفردية، إلى المنظمات المجتمعية والأحزاب والجماعات والعائلات، وصولا إلى متسول الناس.
لو عرف كل فرد مصلحته ورجع إلى القرآن في معرفة غايته، ثم بحث فيه عن وسائل تحقيقها، لارتقت الأمة وفاقت كل الأمم، وهذا دور علماء الدين فتوجيهات القرآن السياسية أعلى وأسمى وأفيد وأغنى من مناهج السياسة الغربية والشرقية، الليبرالية والإلحادية، حيث يظن بعض الساسة أنهم بها يحققون مكاسب لهم ولبلادهم، لكنهم في الواقع لا يحققون لأنفسهم إلا الضعف والمعاناة والخوف والمذلة، ولا يحققون لبلادهم إلا الويلات والمصائب والعداوات.
القرآن لم يترك ساحة إلا أرشد فيها إلى سياسة، حتى الحرب والقتال، جعل له هدفا وغاية وسياسة لتحقيق النصر، فما بال جيوش وفرق عسكرية تضع لأنفسها استراتيجية عسكرية تقوم على عقيدة عسكرية ثم تخسر الحروب، رغم أن هذه الاستراتيجية قائمة على سياسة ميكيافيلية!
وما بال دول تعتمد في حروبها النفسية علي سياسات ميكيافيلية ثم ينقلب الحال ضدها وتتحول الفرص إلى تهديدات. وما بال مدعين للدين ينقلبون إلى إرهابيين تتصدى لهم الدول والحكومات، فلا ينجح مسعاهم.
ولماذا تستعين بعض الجيوش بمقرئين للقرآن لكنها تعاني الأمرين! الجيوش ليست في حاجة إلى مقرئين، ولكنها في حاجة إلى استراتيجية قرآنية، فلم يترك القرآن ساحة للقتال إلا ووضع آلية للتعامل معها، ليس فقط في الروح المعنوية للجنود وكيفية صلاتهم أثناء المعارك، وكيفية دعائهم للنصر، بل في خططهم الحربية وأسلحتهم الفعالة وتشكيلاتهم المرنة.
إن أسوأ ما وقع فيه علماء الدين هو خوفهم من دراسة السياسات القرآنية، وانصرافهم عن دراسة دور القرآن في السياسة، فضلا عن تسييسهم الدين بدلا من أن يرشدوا إلى دين السياسة.
إن من الضروري أن نستخرج السياسة من القرآن لا أن نبرر السياسة بالقرآن، لأنه استغلال للقرآن في ترويج ضلال!
نحن في حاجة إلى تطوير مناهج الدراسة في جامعة الأزهر ومعاهده، ومناهجها الدينية، نحو استلهام القرآن في كل ساحات الحياة، ومنها العلوم السياسية، وأن تكون دراسة علم الأولين تحليلا وتطويرا علميا يقوم على منهج البحث والدراسة الذي وضعه القرآن الكريم، وهو منهج الاستقراء، حتى تحقق الغاية من إنشائها، وأن تكون مذاهب الآخرين ومناهجهم موضع فحص ونقد واستنتاج واستقراء، حتى تنكشف سطحيتها وعيوبها، فلا يملك أهلها الإساءة للإسلام، وبيوتهم قد أصبحت من زجاج!