قراءة نقدية لديوان (سيزيف وبحار) للشاعر (أسيد عيساوي)
د. منى بركات
نتناول في هذه القراءة النقدية الشاعر (أسيد عيساوي) وديوانه (سيزيف وبحار) الذي صدر في أوارخر العام 2019 عن دار الحضارة العربية في القاهرة.
أهدى (أسيد عيساوي) إصداره إلى زوجته شريكة حياته ورفيقة دربه والى أولاده وأحفاده وأصدقائه وقرائه. وتقدم بالشّكر لكلّ مَن ساهم بإخراج هذا العمل إلى حيّز الوجود؛ وخاصة صديقته الشاعرة والأديبة المرموقة (أمال عواد رضوان) التي ساهمت في ميلاد هذا العمل؛ الذي احتوى على 133 صفحة من القطع المتوسط.
تضمن الإصدار قصائد: سيزيف وكنعان، يا بحار، مدي ذراعك يا جفرا، أين الطّريق، علميني كيف أحب، سألتها إلى أين، تعالي، جفت الدّموع، اسمك على ألواح مكتوب، الذئب والنملة، حلت ساعة الزوال، ديمة هطلاء، فلسطينية، في كانون، قل أعوذ برب الفلق، الخروج من التابوت، ماذا لو قابلتها؟، جوزاء ساطعة، رسالة إلى قاتلي، زيتون ومطر، عشتار: تموز قضى، على الضريح، لن أرحل، نحو السّماء، آه حبيبتي، ناديتك يا منايا، هذه قصتي، سأعود، مبحر في عينيك، ارجعي لي، شمس البحار تنهض من نومها، الصقور تمزق الجلود، بين بحرين وخليج، صباحك فل، خذيني إليك.
عندما نتكلم عن الشاعر (أسيد عيساوي) فإننا نتكلم عن إنسان فلسطيني مثقّف غيور، وطني مناضل عرف السجن، والعمل الدؤوب، والإصرار على الإصلاح.
وديوان (سيزيف وبحار) هو قصائد تصور رحلةَ عذاب الشعب الفلسطيني الذي جعله الاستعمار كرةً تتقاذفها القراراتُ الدوليةُ، لتطفو على بحارٍ من الوهم والضياع.
هو قصائد عشقٍ ل(جفرا)، للسنابل والوديان، لجبال الزيتون والتوت والزعتر والرمان.
هو رحلة العودة المتّوجة بالشوق والحنين إلى الأزقّة العتيقة؛ إلى الزهرة الشامخة في ثرى الوجدان.
هو رحلةُ البحث عن أملٍ وشوقٍ للأمان، وذعرٍ من قتلِ الإنسان لأخيه الإنسان، حتى غدا قابيلُ صورةً واضحةَ للعيان.
هو أنشودةُ الحب الأبدي، وانتظارُ النداءِ الناصحِ الذي يُكسّر ويحطّم العبوديةَ والطغيان، ويرسو في شواطئ الأمان؛ فيُوْلَدُ الحبُ من جديد طاهراً نقيّاً بلا رتوشٍ أو تجميل، فهو اللوتس في جماله، والتفاح في بهائه، والبرتقال في شذا أزهاره، والجوريُّ في احمراره. فهل تأتي الحبيبة شوقاً وأملاً؟، أم تنتظر لحظة الطواف في معبد الحرية والسلام؟، أم تنتظر انبلاج الفجر فتطوف في الجبال والوديان وهي ترى اسمها مرسوماً في دموع الأطفال وجدران البيوت والطرقات، ممزوجاً بدماء الشهداء وعرق الشباب وبالغبار العالق بحذاء أمٍّ تحضن ابنها وهي تحميه من أنياب الزمان.
وتبقى فلسطين الحبيبةُ: النشيدَ واللحنَ والفأسَ والمحراثَ والتينَ والصّبّارَ والقمحَ والخبزَ وحلاوةَ الانتظار؛ الحبيبةُ التي دوماً تلبي النداءَ، وتزهو بسنابلها الذهبية وكرمتِها العطريّة وزيتونتِها الأزليّة وبرتقالتِها اليافويّة. وهي وإن بعُدت فلابدّ أنها ستعود مع كانون رغم أنف الطاغية الذي باعها في المزاد ونهب ثرواتِها، فلابُدّ للشعب أن يثورَ على طاغيته، على الخيانة والغدر، ويحطمِ التابوت، فهي وإن وُضِعَت فيه وقُتلت دون رحمة واغتُصِبت دون رأفة لابد أن تعود لها الحياة؛ لأنها الأمُ والصديقةُ والزوجةُ والحبيبةُ والسندُ والمعينُ، هي المرأةُ الوطنُ بكل جماله ومرارته وعذابه. فكيف لا يتحرّق القلبُ شوقا إليها؟!، وكيف لا يركبُ المغتربُ البحارَ ليعودَ إليها؟!.
و(سيزيف) هو (الفلسطيني) الذي يواصل رفع صخرةٍ تنقلب عليه في كل مرّة، في رحلةٌ تحمل تاريخاً من العذاب، وتنوءُ بذكرياتِ حضارةٍ انتُهِكت وقُذِفت في البحار، لتتلاطمها الأمواجُ، ويطفو المدادُ ويعيث هولاكو في بغدادَ فساداً.
أما (الذئب) رمز الغدر وانعدام الأمان، فكيف له اختراق جسورٍ من الأجساد تحمي الديارَ والطفلَ وحدائقَ النعناع؟. لكنّ الذئبَ ورغم صلابة الأجساد يعبر شارةَ المرور، وتهطل (ديمةٌ) من العذاب ويتفجّرُ نبعٌ من دماء الشهداء وتغفو ابتسامةٌ في وجه الزمان.
إن (سيزيف وبحار) هو رسالةُ الصمود وكنسُ الاحتلال، وقصةُ البلد المحفوظةِ في حقائب الترحال بين صور جلجامش وعشتار وغصن زيتون من كنعان، محفورٌ عليها: “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”. أرض الآباء والأجداد التي ترددت في رباها نداءاتُ (عبد الناصر) للتحرر من الاستعمار، وصلواتُ القديسين ونداءاتُ المظلومين والمهجّرين واستغاثاتُ النساء والرجال والأطفال من أذى الغربان ومن رءوس باللّحى تتدثّر فغدت الشهباءُ حزينةً تبكي بواسلَها وتتحرق ألماً على معالِمها، فيمتزج ألمُها بألم (اليمن) الذي كان يوماً سعيداً ثم صار حزيناً، ويعلو النحيبُ سماءَ (بلد الرشيد) حينما سارت القوافل تسوق الرجالَ كالعبيد. فآهٍ عشتار! قمحنا يحترق واللوز يُقلع والزيتون يُقطع والذئاب هاجمت الأحياء وحوّلت الأطفالَ أشلاء، فهل سيعود تموز؟، وهل ستنهض شمس البحار من نومها وتُضيء لسيزيف سبلَ الخلاص؟. ومع السؤال يبقى الأمل أنشودةَ العودة بعد الترحال.
إن مضامين (أسيد) تجمع بين الوهم والمنفى والعذاب والقهر والضياع، وبين عشق فلسطين والحنين إليها وإلى زيتونها وبرتقالها وزعترها وشذا أزهارها. وتجمع كذلك بين الذكريات والتاريخ الذي يرى (أسيد) أنه لم يتغيّر منذ لوّن (هولاكو) مياه النهر بلون الحبر والدم، وربما أبعد من ذلك؛ فالقتل وسفك الدماء مستمرّ منذ الجريمة الإنسانية الأولى، حين سال دم (هابيل) على يد أخيه (قابيل)؛ فمنذ ذلك الوقت ودم الإنسان يُسفك بيد أخيه الإنسان، و(الذئب) منذ تلك الأيام لم يغيّر طبعه؛ فما يزال رمز الخيانة والغدر. ولكن بين هذه الأشواك يرى (أسيد) أنَّ لابدّ للعشق أن ينمو والأمل أن يُزهر.
فالشاعر -رغم كل ما يدعو لليأس في واقعنا الراهن- يحدوه الأمل بأنّ (جفرا) عشقه الأبدي عائدة لا محالة، (جفرا) المرأة الحبيبة، (جفرا) الوطن فلسطين الحبيبة التي ستعود ما دام زيتونها يثمر، وبرتقالها يُزهر وتعبق روائح أزهاره في ثنايا الليل، وما دام زعترها ينبت في جبالها، وما دامت أزهارها تنشر شذاها في ربوعها؛ سهولها وجبالها.
ويرى كذلك أنّه لا بدّ لجحافل المظلومين من ثورة على الطاغية، وإن طال الطريق المعبّد بأجساد الشهداء ودمائهم.
وعلى هذا الطريق الطويل يرى (أسيد عيساوي) المرأة رفيقة تُشاركه وتُخفّف عنه وتنقذه عند الحاجة إليها؛ لذلك يجعل منها رمزاً لفلسطين الباقية العائدة مهما طال الزمن.
كل هذه المضامين الإنسانية وغيرها جمعها (أسيد) في ديوانه (سيزيف وبحار).
أما ما يؤخذ على الشاعر في مضامين الديوان فهو: كثرة البكاء والنزوع إلى إظهار الضعف والعجز، بدلاً من الاستمرار بما لمسناه من ثوريّة وعزمٍ في القصيدة الأولى. فقد أكثر في قصائد لاحقة من إظهار عجزه وحاجته لمن ينقذه من ضعفه وعجزه بأسلوب فيه الكثير من البكاء.
أما من ناحية الشكل الذي قدّم فيه (أسيد) قصائده، ليُعبّر به عن أفكاره ويقدّم من خلاله مضامينه، فقد اعتمد فيه على عدة عناصر منها: التناص والأسطورة والرمز. وكلّها بارزة في قصائد الديوان -وبشكل خاص الأسطورة التي نجح في بنائها وتوظيفها- وإن دلّ ذلك على شيء فيدلّ على ثقافة الشاعر الواسعة.
1-التناص:
يكثر الشاعر من اقتباس آيات من القرآن الكريم، ففي قصيدة (أعوذ برب الفلق) هناك تناص([1]) مع آيات من القرآن الكريم من (سورة الفلق)؛ حيث نقرأ في بداية القصيدة:
“((قل أعوذ برب الفلق))
قالها بعض الخَلقِ”([2]).
وكذلك في قصيدة (أين الطريق؟)؛ حيث نقرأ في بداية القصيدة:
“كنت هناك في البيت
((أول بيت بُني للناس))
((وهو هدى للعالمين))
((فيه آيات بيّنات))”([3]).
وقد أتى ذلك الإكثار من التناص مع آيات القرآن الكريم في هذا الديوان؛ لكي يؤكد الشاعر على انتماء فلسطين إلى الأمة الإسلامية وعروبتها.
ولدى (أسيد) معرفة جيدة بالثقافة العربيّة الأصيلة، قديمها وجديدها؛ فهو يضع نصّه في حضن النصوص العربية القديمة والحديثة، حيث يتصاعد صوت (طرفة بن العبد)، و(عنترة بن شدّاد)، و(ولّادة بنت المسكفي)، و(ابن زيدون) وغيرهم. وتتّصل أصوات السلَف بأصوات الخلَف عن طريق استحضار الكثير من أصوات الشعراء في العصر الحديث، وبشكل خاصّ شعراء المقاومة الذين من البديهي أن يتماهى الشاعر معهم:
-ففي عبارة: “فنحن إن تألمنا وتوجعنا/ نطحن عظم المغتصب”([4]). سمعت (محمود درويش) وهو يقول: (ولكني إذا ما جعت آكل لحم مغتصبي) في قصيدته (سجِّل! أنا عربي/ ورقمُ بطاقتي خمسونَ ألف)
-وفي عبارة: “حملت دمي على كفي” أصغيت لصراخ (عبد الرحيم محمود) و(إبراهيم طوقان).
-كما رأيت (توفيق زيّاد) حاضراً في الكثير من عبارات (أسيد)، خاصّة تلك التي تؤكّد على الإصرار والتمسّك وعدم الرحيل.
-وفي النصوص التي وظّفت فيها (جفرا) -لا تقلّ عن أربعة نصوص- وبعض نباتات ومعالم فلسطين شعرت بنكهة شعر (عز الدين المناصرة) خاصّة في رعويّاته.
وقد أفاد كل ذلك التواصل بين أصوات السلَف وأصوات الخلَف التأكيد على عروبة فلسطين بتواصل السلف مع الخلق. أما استحضار الكثير من أصوات الشعراء في العصر الحديث وبشكل خاصّ شعراء المقاومة وتواصل أصوات الشعراء الفلسطينين في الداخل المحتل مع أصواتهم في الشتات فقد أفاد التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في النضال من أجل استردادها داخل الوطن المحتل وخارجه.
2-توظيف الأسطورة:
تشغل الأسطورة في قصائد (أسيد) حيّزا كبيرا جداً؛ ومن الأساطير التي وظفها: سيزيف، زيوس، فينيكس العنقاء، الطوفان، التنّين، الأنوما إيليش (قصيدة خلق الآلهة والكون والإنسان عند البابليين)، جلجامش، عشتار، تموز، إيريشكال، إيزيس، … وغير ذلك كثير.
وحقيقة فإنّ الأسطورة تعتبر أمّ الفنون القوليّة جميعاً، والفلسفة والأسطورة كلاهما خطاباً شعرياً من نوع خاصّ؛ ومن هنا نستطيع الحديث عن التعالق بين الأسطورة والشعر في ديوان (أسيد). فهذا التعالق يفرض ذاته على نصوص الكتاب جميعاً، منذ عنوان الكتاب، وهو العتبة الأولى التي توحي بما سيتشكّل منه الكتاب، وحتى كلماته الأخيرة.
فعلى مأساة (سيزيف) المشهورة -التي انتقلت من حضارة اليونان إلى يومنا؛ حيث يشير مصطلح (عمل سيزيفيّ) لكلّ عمل فيه الكثير من الطاقة دون نتائج أو ثمار بالذات أسّس الكاتب (أسيد عيساوي) كتابه (سيزيف وبحار)، وكأنّنا به يؤكّد حضور الأسطورة في الواقع والواقع في الأسطورة؛ مما يبيّن بشكل لا يقبل الجدل عظم المأساة التي يحياها الشعب الفلسطيني، وشدّة المفارقة التي ينطوي عليها واقعه!. فالشعب الفلسطيني، في نظر (أسيد)، هو سيزيف الجديد، الذي يحمل شقاءه من جديد في كلّ مرحلة من مراحل نضاله، فهو ما إن يقترب من الوصول إلى هدفه حتّى يسقط من جديد! في بحار من (اللاجدوى)([5]). إنّ فعل السقوط مخيّب للآمال، ولكنّ إصرار الشعب الفلسطيني ومن ورائه كل الأحرار من العرب على الفعل من جديد هو بارقة من أمل يتركها الكاتب لنا؛ لتكون خلاصة هذا الواقع وتلك الأسطورة كلمة واحدة: (الإرادة)؛ فمع الإرادة سيسقط العبث، تحت أقدام (كنعان).
وفضلاً عن كل ذلك فإنني في الحقيقة قد وجدت أن تعامل الشاعر مع الرموز الأسطورية مبتكراً؛ أي أنّه لا ينقل الأساطير ولكنه يصنعها. وهذا يعني أنّه يأخذ العادي واليوميّ أو الشعبيّ ويحوّله بأساليبه الخاصّة إلى عجيب! أسطوريّ خاصّ؛ وهي مهمّة أبعد شأواً من مجرّد النقل.
فعل الشاعر (أسيد) ذلك في أماكن محدودة فابتكر أساطيره بيده، وجسّد نظرته فيما يتعلق بالمأساة الفلسطينية على شكل أسطورة خاصّة، فامتنع عن الإسفاف من ناحية، وضمن لرسالته أن تصل وصولاً شاعرياً من ناحية ثانية. فمثلا في تحويره شخصيّة (زيوس) إلى (زيونس) مع ما يربط الاسم الجديد بالصهيونية هو تنبّه ذكيّ من قبل الشاعر يهدف به إلى خلق أسطورة جديدة خاصة بفلسطين.
كما أن شاعرنا لم يوظف الأسطورة في نصّوصه لذاتها، وإنّما لتُثري النصّ وتُضيف له بعداً بل أبعاداً دلالية تستفزّ القارئ؛ ونموذج لذلك ما جاء في قصيدة (رسالة إلى الأنام) من ذكر (جلجامش) و(عشتار) وغيرهما والذي كان يرمي منه إلى إثبات ملكيّة العرب لفلسطين. يقول الشاعر:
“أركب ظهر البحر
أمتطي ظهر العنان
بيميني لوح انتشل من أرض الفرات
مخطوط بمسمار
عليه صور جلجامش وعشتار
(…)
وعلى اللوح قصص
جاءت أرض كنعان
تروي للورى قصصا وأخبار
حاكها أحفاد لأحفاد”([6]).
3- توظيف الرمز:
نجح الشاعر في توظيف (جفرا) كرمز للحبيبة المرأة التي تماهت مع الوطن فلسطين، ففي قصيدة (مدّي ذراعك يا جفرا) نرى عبارات تؤكد ذلك التماهي بينهما؛ مثل قوله:
“مدّي لي يدك يا جفرا
يا جبلا من زيتون وتوت وزعتر
ضعي يدَك على صدري
وضعي يدي على صدرك
رُشّيني بماء الشطآن
علّ ثورتي تهدأ”([7]).
لكن الشاعر أخفق في إظهار البعد الدلالي لتوظيف (الذئب) الذي هو رمز للخيانة والغدر وسفك الدماء؛ إذ هل يُقابَل غدر (الذئب) وبطشه وحبّه لسفك الدماء بمثل هذه اللغة المسالمة التي جاءت على لسان (النملة) في قصيدة (الذئب والنملة)، والتي لا تُعبّر إلّا عن ضعف صاحبها، لغة وموقفاً؛ يقول الشاعر في هذه القصيدة:
“نملة هاجمها ذئب
الذئب يريد قتلها
يريد سفك دمها
يريد إطفاء السراج
(…)
فيا ذئب اغرب من هنا
دع عنك هذا العدوان”([8]).
وإذا كان (الذئب) رمزاً للصهيونية، و(النملة) رمزاً لفلسطين وشعبها، فهل بمثل هذا الأسلوب الضعيف سنردّ الصهيونية عن جشعها، وننقذ فلسطين؟!.
أم أنه اعتراض الشاعر على الصمت العربي على العدوان الإسرائيلي، والقبول بالسلام مع إسرائيل والاستسلام الضعيف للأمر الواقع، ومن ثم تكون هذه إشارة ساخرة من الشاعر على هذا الوضع؛، وأيضاً تكون إشارة منه تنويه إلى أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة.
وهنا نوافق الشاعر على هذا المرمى من الرمز الذي واجه به الحالمين بتحقيق الهدف الفلسطيني من وراء سلام واهٍ مع عدو غادر. أي أن الشاعر يرى أننا حتى لو تقمصنا دور (النملة) ورضينا بالفتات الذي تلقيه إلينا إسرائيل عبر اتفاقيات السلام المزعوم فإن هذا يعني أننا لن ننال شيئاً من حقوقنا المشروعة، وأننا نكون بذلك قد أضعنا كفاح السنين الطوال هباءً. ويؤكد هذا المعنى إشارة الشاعر في أول قصائد الديوان إلى ترك سيزيف الصخرة تنزلق:
“(سيزيف وكنعان)
أنا سيزيف آخر
أنا ما عدتُ أنا.. فهل تسمعون؟
لم أعُدْ ذاكَ المُعذّبَ الأبديّ
لم أعُدْ ذاكَ الّذي يحملُ الصّخرة
وقد تركتُ الصّخرةَ تنزلق
أنا ما عدتُ أنا
أحالني زيوس إلى المعاش
قال لي: أنت لم تعد أنت
لقد هرمت
تخلت عنك نارك”([9])
فهذا الترك إنما هو ترك الكفاح المسلح والاتجاه إلى السلام والرضا بالأمر الواقع. ولذلك فالشاعر يرى أننا “نريد دماً جديداً”([10])، دماً يقف بوجه مجمع الربّان ويرفض قرارات البيت الأبيض.
“لن أقبل القرار
سألقي بنفسي وألقي بالحجر
كرة مشتعلة.. تتناثر كالمطر
من أعلى قمة الجبل
على مجمع الربّان”([11]).
ومن هنا فإنه ما من شكّ أنّ (أسيد) في ديوانه، يطرح قضايا ملحّة تقلقه وتقلقنا جميعاً، لها علاقة بأوضاع شعبنا العربي كله وأحوال مجتمعنا التي يرى (أسيد) أنها تسوء وتفلت من بين أيدي أصحابها، لا بل صار بعض أصحابها يتاجرون بها، وصار الباقون لعبة بأيدي من تاجروا بها. و(أسيد) كغيره من أبناء شعبنا، مُكبّل لا يستطيع أن يفعل شيئاً سوى البحث بقلمه وكلماته عن سيزيف آخر، سيزيف الذي لا ولن يترك صخرته –قضيته- تنزلق من بين يديه قبل القمّة، بل يصعد بها ثم يُلقيها:
“كرة مشتعلة
من أعلى قمّة الجبل
على مجمع الربّان”([12])
فقد حان الوقت للعائم التائه في البِحَار، أن يرسو على شاطئ يفتح له ذراعيه؛ شاطئ الأمان في أرض الأجداد التي ستتحرر إن شاء الله بقوة السلاح.
ومن هنا نعرج للحديث عن (أيديولوجية الشاعر):
في هذا الديوان يتجلى ارتباط الكاتب بواقعه، وميوله الوطنيّة، وعشقه لتراب الوطن، وصدق إنسانيّته، وعمق وعيه الوطنيّ، وشغفه بالرموز الوطنيّة وفي رأسها (جمال عبد الناصر) الذي قال: (إن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة)؛ فالقصائد تتّكئ على أيديولوجيا ناصرية نابعة بالأساس من حبّ الكاتب للزعيم (جمال عبد الناصر) الذي نجج في تأجيج الشعور القومي لدى (أسيد) والعرب جميعاً، وأكد أن قضية فلسطين هي قضية العرب جميعاً وليست قضية الفلسطيني وحده.
ولكنّ أيديولوجيا (أسيد) اليوم تتغذّى من الشعور بفقدان عبد الناصر، ومن الحاجة إليه أو إلى قائد يملأ الفراغ الذي تركه في زمن طغى فيه حكم بعض:
“الزعامات العربية المخصيّة
فمنذ غاب ناصر “صرنا مضحكة للأمم””([13]).
والناصرية مهما كان شكلها في قصائد (أسيد) ليست هي الرافد الوحيد للأيديولوجيا؛ فهناك الوطن فلسطين المغتصبة التي يُجاهد الشاعر من أجل تأكيد عروبتها واستردادها من المغتصبين. فالشعور الوطني لدى (أسيد) منغرس في نفسه وقلبه وفكره كجذور الزيتون الراسخة عميقاً في أرض فلسطين وصخورها. يقول الشاعر في قصيدة (زيتون ومطر):
“أنا زيتون نابت في الصخر”([14]).
جماليات اللغة:
ونبدأ في هذه الجزئية بالحديث عن جماليات العنوان:
العنوان هو: (سيزيف وبحار)؛ (سيزيف) ذلك المتمرّد الذي عوقب لدهائه واستخدامه لمنتهى طاقته الفكرية استخداماً خارجاً عن القانون. و(البحار) التي كثر ورودها لدى الشعراء الذين عانوا الغربة والتشرّد والبعاد.
إنّ جمع (سيزيف) المعاقب أصلاً مع (البِحار) يجعل الألم الموصوف في هذا الديوان أضعاف ذاك الألم الأسطوريّ الذي غدا علامة فارقة على جبين الزمن؛ فهذا (السيزيف الجديد) -(كنعان) القابع في أرض فلسطين، والمهاجر في بلاد الشتات- هو البطل الأسطوري الجديد، والدرجة التي وصلتها مأساته تخوّله أن يحتلّ مكانة (سيزيف) نفسه في عصرنا الحاليّ.
ومن هنا فليس عبثاً أن اختار (أسيد) عنوان ديوانه، (سيزيف وبحار)؛ فسيزيف هنا هو الفلسطيني الذي يُدحرِج منذ عقود طويلة قضيته في بِحَار عربية وعالمية متلاطمة الأمواج محمّلة بالجهل والعنف والذلّ والقهر، وكلّما اقترب من شاطئ ولاح له الخلاص اختفى الشاطئ([15])، ولكنّه لا ييأس ولا يتراجع بل يعود إلى العوم من جديد في بحار أكثر خطورة وغموضاً؛ ففي أيامنا هذه لا شيء أكثر غموضاً من مصير الشعب الفلسطيني.
والحقيقة إن تأثير النصّ يكمن لغته القادرة على استفزاز القارئ وكسب تعاطفه مع النصّ وكاتبه، ومن البادي للعيان شغف الشاعر بوطنه، فهو على امتداد الكتاب يتعامل معه تعامل العاشق مع عشيقته؛ حيث تسود القصائد ألفاظاً شاعرية من مثل: اقتراب، حبّ، ملامسة، حنان، تضحية وما إلى ذلك. وفي رأيي الشخصي أنّ الشاعر أبدع وفرض موهبته الشعريّة، وأعطى دليلا عليها؛ إذ يكفي أن نقرأ لديه هذه العبارة وسط كمّ من الرموز حتّى تفهم أنّ الشاعرية جزء من قريحته:
“ماذا لو فكّرت بها نهاري كلَّه
وليلي كان لنهاري ظلَّه؟!
ماذا لو لمست يدها.. وشعرب بلهفة في القلبي
وسرت بجسمي شحنة كالتي تسري عندما نمس بجسدنا مكهرب”([16]).
وباختصار في مجال كلمات الحبّ والعشق، شاعرنا مبدع!. وها أنا أهمس في أذنه: توسّع وطوِّر موهبتك عبر قناة المشاعر، إذ لك في هذا السبيل نصيب وافر من الموهبة، وهذا ما لاحظناه خاصة في قصيدة (سألتها: إلى أين؟) فهي أجملهم. يقول فيها:
“فهل يورد الورد
وهل يعطر العطر ويزهر الزعتر
(…)
من صباحك تحصد زهر التفاح
من خديك تنزع زهر اللوتس
من عينيك تقطف زهر البرتقال
من صدرك تخطف ورد الجوري”([17])
ومثل ذلك يُمكن أن يُقال في قصيدة (ماذا لو قابلتها) وقصيدة (نحو السماء)”([18])، وقصائد كثيرة و غيرها.
ولكن هذه اللغة البسيطة السهلة التي سيطرت على معظم قصائد الديوان، قد جاءت في بعض القصائد بصورة لا ترقى إلى مستوى اللغة الشعرية الكثيفة التي تختزل -بتوظيفها للأسطورة والرمز والتناص- معاني كبيرة يصل إليها القارئ بلمحه وثقافته فتمنحه متعة التفكير والتأويل؛ فهناك بعض القصائد جاءت فيها اللغة بسيطة سطحية، وأخرى كانت فيها اللغة نثرية ركيكة. ومثال ذلك السرد والحوار في قصيدة (مشتاق أنا)، فاللغة فيها في بعض من عباراتها أقرب إلى العامية منها إلى الفصحى.
“مشتاق قلت لها
حين سألت عن حالي
سألتني ((قديش))؟ “([19])
ويكثر الشاعر من الألفاظ التي تظهر (سيزيف) عاجزاً لا حول له ولا قوة في قصائد كثيرة من الديوان؛ حيث يستمرّ بكاؤه وبحثه عمّن يُنقذه، ففي قصيدة (ماذا لو قابلتها) نرى عبارات زائدة في إظهار ضعف الفلسطيني مثل قوله:
“((وفيان ودخيل)) تستغيث وتستصرخ الضمير
أنقذونا.. أنقذونا
(…)
دموعها شلال.. وكلماتها تفتت الصوان
ولكن، ((لا حياة لمن تنادي))”([20]).
فهنا يبدو (سيزيف) ضعيفاً عاجزاً غير قادر على الفعل، يحتاج لمن يُنقذه؛ فكيف سيُنقذ حبيبته إذن إذا كان هو نفسه يُريدها أن تُنقذه من ثورته التي لم تُحقّق مرادها؟.
وفي قصيدة (مشتاق أنا)، نموذج آخر للعجز؛ يقول:
“تعبت من الإبحار في قوارب الموت
لم يعد بي قدرة على الترحال
طالباً أن أعيش
كفاني بكاء
على عتبات الأغراب والأقارب
كفاني لنفسي تغشيش
فيا بِحار أعيديني إلى وطني
أعيديني إلى كرومي اليابسة”([21]).
ففي هذه العبارات يُؤكّد على أنّه ملّ من المنفى، ويُظهره كقدر سيء مذلّ، بين الأغراب والأقارب، وبما أنّه يُدرك حقيقة عجزه، يطلب من البِحَار أن تنقذه.
وقد ساهمت بعض زعماء الأخوة العرب في تمزيق أشرعته؛ وهذا يظهر واضحاً في القصيدة الثانية (يا بِحَار)؛ إذ يقول:
“فلقد امتلأ الجسم بالطعنات
ضلوعي تكسّرت وتمزّقت الرئات
أقدامي أدمتها الطرق الشائكة
وثيابي البالية مزقتها الأسلاك العالقة”([22])
ومن كل ما تقدّم نقول أن الشاعر قد أبدع وفرض موهبته الشعريّة عبر قناة المشاعر، كما أن لغته قد نجحت في أن تعكس حالته النفسية. فهو يُعاني بسبب ضياعه في وطنه واغترابه عن كل ما يدور حوله، يُغالب اليأس ويُحاول جاهداً ألّا يسقط فريسة له، ولكنّه لا يرى نفسه منقذاً بل يبحث له عن منقذ، قد يكون (جفرا) وما تعنيه بالنسبة له بين كونها حبيبة ورمز للوطن، وقد يكون البِحَار أو غيرها.
الموسيقى:
ليست لدى (أسيد) مشكلة في المضامين، ولكن هناك بعض الإشكال في شكل طرحها وبلوغها؛ فرغم بساطة اللغة وسهولة الوصول إلى تلك المضامين، فإن القارئ يشعر أنّ (أسيد) وجد صعوبة كبيرة في أن يُوفّق بين مضامينه والقالب الذي قدّمها فيه؛ لأنّ الشكل في نهاية المطاف هو ما يمنح القارئ متعة الوصول إلى الدلالة.
فقصائد الديوان تنتمي إلى الشعر الحر جداً (قصيدة النثر). وأنا شخصيا لم أحب قصائد النثر ولست من أنصارها. ولكن الكتابة فعل حرية؛ يتحرّر بها الكتّاب من كل ما يقيّد حريتهم، و(قصيدة النثر) تتّسع لكل ما يتفتّق عنه الوعي واللاوعي البشري، وبما أنّ (أسيد عيساوي) يعيش تعقيدات حاضره وهموم مجتمعه الفلسطيني والعربي والإنساني ويُريد لنفسه خلاصاً ولروحه المتعبة انعتاقاً؛ فقد وجد في (قصيدة النثر) ضالته، وذلك للتعبير عن كل ما يعيشه هو والشعب الفلسطيني من تناقضات غامضة وملتبسة، تتداخل فيها الأمور، في الأدب والسياسة والحياة عامة.
وقد يكون الأهمّ من ذلك كلّه أنّ ما في العالم من فساد وتشويه قد جعل هذه التناقضات لدى (أسيد) غير واضحة المعالم، فغرق فيها ديوانه متحرراً من قيود الوزن الخليلي تماماً كما غرق المجتمع البشري كله في بحار الظلم بسبب تحرره من قيود القيم والعدل والمساواة.
ويتكئ الشاعر (أسيد) في موسيقاه اتّكائاً بارزاً على السجع، بالإضافة إلى القافية، إلا أنّها كانت غالبا ًما تجيء على حساب المعنى. ويظهر هذا بشكل واضح حين تخونه اللغة وترغمه على استعمال مفردات قد تتآلف مع القافية لكنّها لا تتآلف مع المعنى أو السّياق أو الدلالة التي يبحث عنها القارئ، أو قد نجد في هذا الاتّكاء ليس أكثر من سجع يُضفي بعض الموسيقى ولكن يظلّ بعيداً عن كونه قافية تلائم قصيدة، بل يرغم الشاعر على الحشو لاستكمال السجع وليس بلوغ الدلالة. وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ ويبدو ذلك واضحاً في قصيدة (أين الطريق؟) حيث قال:
“وتحتجب الشمس في النهار
فيخرج من يُنادي بالإفصاح
بعد تكتّم وخشية البواح
ويسير العبد بلا أغلال
يدعو الناس إلى الفلاح
…
تدلّت عناقيد العنب
ووصل التّفاح أقاصي البطاح
وهناك في الوادي
هبّت ريح صرصر
فدخلوا الكهف للرّاح”([23]).
فالقافية في هذه العبارات ليست أكثر من سجع يمنح النصّ بعض الموسيقى ولكنّه لا يُساهم في تآلف المفردات وانسيابها، ولا يُساعد كذلك في بلوغ الدلالة.
إذاً لم يتحرر الشاعر تماماً من هيمنة الإيقاع الغنائيّ التقليدي المتجذر في الموروث الثقافي العربي، فهو رغم تخليه عن الوزن الخليلي إلا أنه قد تمسك بالقافية في معظم النصوص، وتلك لا تأتي إلا مع هذا!. وفي نظري فإن الكثير من نصوصه المنسابة خلف السرد جاءت جميلة معبرة، ولكن في بعض النصوص الأخرى كان التخلي عن القافية سيتيح المجال أمام أفكاره ومشاعره والأحداث عامة لتتدفق بيسر ودون عوائق.
ومن هنا فإنني أرى أن ديوان (أسيد) الأول (سيزيف وبحار) إنما هو في الحقيقة مجموعة أفكار جاءها المخاض فوُلدت على شكل (قصائد نثرية) مصبوغة برومانسية مطبوعة؛ ذلك لأنّها تفتقر في كثير من الأحيان للوزن وما يحمله من جرس موسيقيّ داخلي ضروري في مثل هذا الجنس الأدبي؛ لأنّ الموسيقى تنزع القارئ من عالم النثر وتجعله يُحلّق في عالم الشعر حتى لو كان منثوراً.
ولكننا في نهاية المطاف نقول ما الشعر إلّا عاطفةٌ تُخاطب عاطفةً، تطمح للتآلف معها بلمح ولغة كثيفة وموسيقى، وهذه العناصر هي الأكثر إثارة واستفزازاً للذائقة الجمالية عند الشاعر والقارئ، ومن ناحية العاطفة أجاد الشاعر وأبدع في معظم قصائد هذا الديوان.
الخلاصة:
هي تجربة أولى، اعتلى فيها (أسيد) الحداثة من أرفع درجاتها، وقلّما حدث ذلك لشاعر في باكورته، ولعلّ الثقافة الواسعة والانفتاح التي يتحلّى بها الشاعر (أسيد) وعاطفة حب الوطن كانوا جميعاً ذاك الوقود الذي أشعل به (أسيد) حقل تجربته الشعرية.
دمج الشاعر بين الثقافات العالمية المختلفة، ومشاعره ومواقفه الخاصة، فخرج بعمل فنّيّ هادف، فلم تأت رموزه خاوية بلا عصب بل غنيّة سمينة، ترسم الوطن أسطورةً ليبقى ثابتاً على مرّ الزمن، راسخاً رغم آلات الحفر في التاريخ التي تحاول اقتلاعه.
أظهر الشاعر إلماماً بالثقافة العربيّة بمختلف رموزها: التاريخية، والدينية، والشعريّة، والأسطورية؛ ممّا جعل شعره موسوعة لهذه الرموز كلّها، تستحث القارئ على التثقّف، ليفهم ما يقدّم له.
وفي الختام لا يسعني إلّا أن أقول: الكتابة تجربة، و(أسيد) خاض التجربة بجرأة، وسواء نجح هنا أو أخفق هناك؛ فستُضاف هذه التجربة إلى مخزون خبرته، وأنه يتوجّب عليه مستقبلاً أن يحرص على تطوير لغته، فهي الأساس لنقل تجاربنا أيّا كان نوعها، وهي الأداة الوحيدة لتحويل تجاربنا الحياتية إلى تجارب شعرية. وأننا بالمجمل العام أمام كتاب مميّز وطرح جدير.
المصادر والمراجع:
- أسيد عيساوي، سيزيف وبحار، القاهرة، دار الحضارة العربية، 2019م.
- د. حليم بركات: «الاغتراب في الثقافة العربيَّة. متاهات الإنسان بين الحلم والواقع»، ط1، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2006م.
- حليم بركات، «اغتراب المثقف العربي، سلمى الخضراء الجيوسي وفيصل دراج»، مجلة (المستقبل العربي)، السنة1، العدد 2، تموز/ يوليو 1978م.
- عبد الملك مرتاض، «فكرة السرقات الأدبية ونظرية التناص»، مجلة علامات النقد، جدة، النادي الأدبي، مجلد1، ج1، مايو 1991م.
- يوجين يونسكو: «خمس مسرحيات طليعية»، ترجمة وتقديم: شفيق مقار، سلسلة مسرحيات عالمية (36)، د. ط.، القاهرة، الدار القومية للطباعة، 1966م.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) التناص ميزة لا يستطع أن ينفلت منها أي مكتوب على الإطلاق، “فكل نص ينبني كفسيفساء من الاستشهادات، إّنه امتصاص وتحويل لنص آخر” (عبد الملك مرتاض، فكرة السرقات الأدبية ونظرية التناص، مجلة علامات النقد، جدة، النادي الأدبي، مجلد1، ج1، مايو 1991م، ص:71).
([2]) أسيد عيساوي، سيزيف وبحار، القاهرة، دار الحضارة العربية، 2019م، ص: 48.
([5]) تخبرنا الأسطورة الإغريقية بأن الآلهة حكمت على «تانتولوس» «Tantalus» أن يقف في الماء من دون أن يتمكن من إرواء عطشه، وتحت أغصان مثقلة بالثمار من دون أن يتمكن من الوصول إليها. بكلام آخر، إنه قريب من أهدافه، وبعيد عنها في الوقت ذاته، مما يعمق إحساسه بالغربة وزيف وعيه لذاته. (انظر: د. حليم بركات، «الاغتراب في الثقافة العربيَّة. متاهات الإنسان بين الحلم والواقع»، ط1، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2006م، ص: 77). وانظر أيضاً: (حليم بركات: اغتراب المثقف العربي، سلمى الخضراء الجيوسي وفيصل دراج، مجلة (المستقبل العربي)، السنة1، العدد 2، تموز/ يوليو 1978م، ص: (106 – 112)).
([6]) أسيد عيساوي، سيزيف وبحار، ص: 66.
([8]) المصدر السابق، ص: (36-39).
([11]) المصدر السابق، ص: (8-9).
([15]) “أشار «ألبير كامي» إلى مفهوم «العبث» في مقالة له بعنوان «أسطورة سيزيف»؛ حيث اعتبر “ذلك الإحساس بالعبث مرضاً من أمراض الروح المعاصرة، وشبَّهه بلعنة سيزيف الذي استخفَّ بالآلهة وتمرَّد على الموت؛ فحكم عليه زيوس بأن يقضي الأبديَّة في الجحيم يدفع حجراً ضخماً إلى قمَّة جبل شاهق، حتّى إذا ما بلغ القمَّة تهاوى منه الحجر إلى القاع من جديد، ليهبط وراءه ويعاود الكرَّة مرَّة إثر مرَّة، بلا نهاية لعذابه، وكأنَّ زيوس قد أدرك بخبثه الإلهي أنَّه ما من عذاب يعانيه الإنسان -على حدِّ قول«كامي»- أفظع من الجهد الذي لا طائل من ورائه”. (يوجين يونسكو:” خمس مسرحيات طليعية”، ترجمة وتقديم: شفيق مقار، سلسلة مسرحيات عالمية (36)، (د. ط.)، القاهرة، الدار القومية للطباعة، 1966م، ص:10.)