عبد العزيز اغراز – المغرب
تطرق رئيس مؤسسة الملتقى الدكتور منير القادري الى الدور الذي لعبه التصوف -مقام الإحسان- في نشر القيم الأخلاقية ونفع الخلائق والحفاظ على الوحدة الوطنية، كما تناول أهمية التربية على القيم الروحية والأخلاقية، وذلك خلال مشاركته السبت 2 من الشهر الجاري، في الليلة الرقمية الثامنة والتسعين ضمن فعاليات ليالي الوصال الرقمية للطريقة القادرية البودشيشية.
أشار القادري في مستهل كلمته الى أهمية التربية الصوفية في عصرنا الراهن، المتسم بطغيان الماديات والنزعة الفردية باعتبارها كفيلة بتوجيه الإنسان نحو طريق الهداية والسمو الأخلاقي و السلم والسلام المجتمعي.
وأضاف أن التربية الصوفية تهدف إلى زرع الأخلاق الكريمة والطباع المستقيمة في نفوس الأفراد، وإن غايتها أن تبلغ بهم مراتب المقربين في محبة رب العالمين، موضحا انها تقوم على المداومة على العمل الصالح وكبح جماح النفس وشهواتها وتقوية النزعة الإنسانية والنفحة الإيمانية في النفوس.
و استعرض مجموعة من أقوال التابعين والعلماء حول التصوف وأصوله وأهميته، ليخلص الى ان التصوف له قيم أخلاقية معينة على الصلاح و الإصلاح، وان هدفه تصفية النفوس وقهر دواعي الشر فيها وضبط شهوات البدن وإحداث نوع من التوازن النفسي، وان ذلك يجعل الصوفي متحررا من كل مخاوف النفس، متيقنا و شاعرا براحة نفسية عميقة أو طمأنينة تتحقق معها سعادته في الدارين.
وأشار الى أنه إذا كان غاية التصوف هي الوصول للحق عن طريق الحقيقة، فإنه مسار طويل مليء بالمجاهدات والمغالبات مع النفس وشهواتها وأطماعها وتنقيتها من الأكدار والأوساخ وسير في معارج الروح والترقي الروحي إلى مقامات المحبة والمعرفة.
ونبه الى أن التصوف كما قال أبو الحسن النوري “ليس نصوصا وعلوما نظرية بل أخلاق أي أنه قاعدة للحياة”، ,مضيفا ان قيمة التصوف تكمن في معالجته لآلام القلوب وتضميد جراح الجماعة التي مزقتها رذائل أعضائها غير الصالحة.
وبين أن الآداب العالية والأخلاق السامية في التصوف إنما هي عناصر نفسية وخلقية يقوم عليها ويتألف منها الدستور الأخلاقي الذي رسمه الصوفية لطريقهم، وعملوا به في رياضاتهم لأنفسهم.
واستطرد أنهم بهذا الدستور الخلقي الأخلاقي كانوا خير عون على إحياء تعاليم الكتاب والسنة في نفوس المعتنقين للإسلام، وكانوا أطباء للنفوس الإنسانية أخيارا يدعون إلى الخير والفضيلة أوفياء لحقوق الله وحقوق البشر.
و أشار الى أن حجة الإسلام الامام الغزالي شبه بين النقائص والأمراض، لذلك طالب بضرورة ملازمة الشيخ، لأنه بمثابة الطبيب المعالج للنفس بالمجاهدة، موردا قوله في كتابه “احياء علوم الدين” يجب أن يعرف الشيخ كل شيء عن حال المريض المتصوف الروحية الذي يلتمس نصائحه، يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس مطلع على خفايا الآفات ويحكمه في نفسه ويتبع إشارته في مجاهدته …فيعرفه أستاذه وشيخه…عيوب نفسه ويعرفه طريق علاجه”.
ونوه الى أن الزهد عند الصوفية لا يعني العزلة عن الحياة وعدم المشاركة فيها، و أن غاية المدرسة الصوفية من عملها التربوي كما جاء في كتاب المذاهب الصوفية ومدارسها لحكيم عبد الغني قاسم “هو خلق جيل جديد يحب الخالق ويسعى لإرضائه بالعمل والفكر والمشاركة في المجتمع الإسلامي” ، ومضيفا أن المتصوف يعتبر أن الحياة الروحية التي اتخذها لنفسه هي السبيل الأمثل إلى خلاص الجميع.
وتابع أن الصوفية المغاربة ابتعدوا عن “التصوف الفلسفي”، وانشغلوا بما يلبي حاجات المجتمع من الأمن، في مختلف تجلياته؛ منها الأمن من الأطماع الخارجية التي كانت تهدد البلاد في بعض الحقب التاريخية، حيث أقاموا الرباطات لحماية الثغور، وكذا الأمن الغذائي بإصلاح الأراضي وبناء الزوايا لإطعام عابري السبيل، وإيواء المحتاجين، إضافة الى الأمن الروحي بحماية العقيدة ونشر العلوم بحمل مشعل تعليم الناس أمور دينهم، وغير ذلك، من أنواع الأمن التي جنّد صوفية المغرب كل إمكاناتهم وطاقاتهم من أجل تعزيزها والحفاظ عليها وترسيخها.
وأكد على الدور العظيم الذي لعبه التصوف المغربي في استتباب الأمن الروحي لدى المغاربة، وفي ترسيخ الوحدة بينهم، مما جعل المغرب عبر تاريخه الشامخ بفعل تذوقه للفكرة الصوفية آمنا مطمئنا يرفل في حلل الوئام والاستقرار، لحمة جسمه في ذلك الثوابت من عقيدة أشعرية ، وفقه مالكى، وتصوف سني و إمارة المؤمنين الضامنة لها، موردا في هذا السياق مقتطفا من الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في لقاء سيدي شيكر “ظل قطبا للتسامح بين الأديان السماوية ثابت القدم في السير على نهج الوسطية والاعتدال مبرهنا في كل وقت وحين على تشبثه بأصالته وثوابته مراعيا على الدوام فضائل الانفتاح والتفاهم وتبادل الخبرات، والإقرار بضرورة الجمع بين آداب الأخذ والعطاء بين الأفراد والجماعات، والحضارات والثقافات”.
وقال القادري: ” إنها نظرة استشرافية من جلالته إلى ثابت التصوف باعتباره تراثا روحيا كبيرا ورأسمالا لا ماديا، تتجاوز قيمته الوظيفة التاريخية أو الاجتماعية أو النفسية، إلى النظر إليه باعتباره مقوما أساسا من مقومات الهوية المغربية الأصيلة”.