مفتي الجمهورية في المؤتمر العالمي الدولي الثالث لكلية أصول الدين بالقاهرة:
– التنمية مسار ملازم لرحلة الإنسان على الأرض
– التنمية لا يمكن أن تحقِّق غايتها إلا إذا اتَّصفت بصفة الاستدامة
“-التنمية المستدامة” التي يقصدها الإسلام ويسعى لتحقيقها لا تهتمُّ بالجانب المادي مجرَّدًا عن الجوانب الروحية
– استدامة التنمية مسألة قديمة في الفكر الإسلامي لها منطلقاتها الخاصة التي تميِّزها عن التنمية المستدامة كما تبلورت اليوم
– التنمية المستدامة في الإسلام تعني السعي للارتقاء بحياة الناس ماديًّا وروحيًّا بما يسعدهم في دنياهم وأخراهم
– التنمية المستدامة في الفكر الإسلامي تجعل من الإنسان محورها الحقيقي، وتُرسِّخ لضرورة الاستثمار في إمكانيات ذلك الإنسان
– التنمية في الفكر الإسلامي داخلةٌ في إطار التعبُّد
– التنمية المستدامة وتشييد بناء حضاري يليق ببلدنا وأمَّتنا لا يتحقَّق إلا بإزالة جميع المعوِّقات
– يجب نشر الوعي بضرورة التوافق بين عدد السكان وبين معدَّلات التنمية
– ثورة التطوير والتحديث الشاملة تشهدها مصر بفضل إدارتها الطموح الَّتي رفعت شعار التنمية المستدامة منذ الوهلة الأولى
***
قال فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: “إن الإنسان لم يتوقَّف سعيُه يومًا نحو التنمية والتطوير؛ فطبيعة الإنسان التي تسعى لتحصيل الأفضل جعلت من التنمية مسارًا ملازمًا لمسار الإنسان في رحلته على الأرض”.
وأضاف أن العالَم أدرك بعد آلاف التجارب التنموية عدَّة حقائق؛ من أهمها أن التنمية لا يمكن أن تحقِّق غايتها إلا إذا اتَّصفت بصفة الاستدامة، وأن تتجاوز فكرتُها المحدوديةَ المتمحورة حول الحفاظ على البيئة والثروات الطبيعية فقط لتشمل كل ما يتعلق بالإنسان ثقافيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، وهذا هو السبب في أن التنمية المستدامة هي الحاضر الأبرز على موائد التخطيط الاستراتيجي للدول والحكومات.
جاء ذلك في كلمته التي ألقاها في المؤتمر العالمي الدولي الثالث لكلية أصول الدين بالقاهرة الذي يعقد تحت عنوان: “التنمية المستدامة في الفكر الإسلامي”.
وأكَّد فضيلة المفتي أنَّ حداثة مصطلح “التنمية المستدامة” وانتشاره بهذا الشكل الكبير اليوم يجب ألَّا تُعطينا انطباعًا خاطئًا عن حداثة عملية التنمية المستدامة نفسها؛ فإن التنمية كما ذكرنا ملازمة لمسيرة الإنسان، واستدامة تلك التنمية فكرة قديمة في الفكر الإسلامي؛ لها منطلقاتها الخاصة التي تميزها حتى عن التنمية المستدامة كما تبلورت اليوم.
وأوضح فضيلته أن “التنمية المستدامة” التي يقصدها الإسلام ويسعى لتحقيقها لا تهتمُّ بالجانب المادي مجردًا عن الجوانب الروحية؛ بل التنمية المستدامة وَفْق الرؤية الإسلامية هي اهتمام بالجانب الروحي مع الجانب المادي؛ بل قبله في العديد من الأحيان، مضيفًا أن الله سبحانه وتعالى قد قرن العمل الصالح بالازدهار والنماء؛ فقال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ}، وربط بين الفساد وبين العمل السيئ فقال: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون}.
وأشار إلى أن التنمية المستدامة في الإسلام تعني السعي للارتقاء بحياة الناس ماديًّا وروحيًّا بما يسعدهم في دنياهم وأخراهم وَفق السنن التي وضعها الله سبحانه وتعالى في الحياة من غير إفساد أو إضرار أو إهدار للموارد، وبما يضمن حظوظ الأجيال كلها حاضرها ومستقبلها؛ حتى يتحقق لهم التكريم اللائق بهم.
وتابع مفتي الجمهورية: “التنمية المستدامة في الفكر الإسلامي تجعل من الإنسان محورها الحقيقي، وتُرسِّخ لضرورة الاستثمار في إمكانيات ذلك الإنسان والارتقاء بها لكونه العنصر الأهم في عمليات التنمية بأسرها”.
ولفت فضيلته النظر إلى أن ما نشهده من مشروعاتٍ على أرض مصر اليوم يدل على إيمان الدولة بذات الرؤية الإسلامية للتنمية المستدامة، وأن الإنسان قبل البنيان؛ فالحرص على تتبع مشكلات المواطنين والعمل على حلِّها بالإضافة إلى تطوير العملية التعليمية يصب بشكل مباشر في نطاق تطوير الإنسان وتنميته.
وأضاف أن التنمية في الفكر الإسلامي داخلةٌ في إطار التعبُّد؛ فالإنسان هو خليفة الله في الأرض، وقد أناط الله به عدة وظائف ليقوم بواجبه ويحقق الغاية من ذلك الاستخلاف، وأهم تلك الوظائف القيام بعبادة الله تعالى وإعمار الأرض بالشكل اللائق، وهنا نقف على الارتباط الكبير بين الإعمار والتنمية وبين الدين والعبادة في الفكر الإسلامي، ونقف على موقع التنمية من الأحكام الشرعية التي قد تصل في بعض الأحيان إلى وجوب بعض الأفعال لا لمقصدٍ ظاهرٍ إلا تحقيق هذه التنمية.
وبيَّن فضيلة المفتي أنَّ الشرع الحنيف حثَّ على الاستمرار في التعمير والغرس والبناء ولو كان ذلك العمل هو آخر ما يقوم به الإنسان؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إذا قامت الساعةُ وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها»، وقال: «ما من مسلم يَغرِسُ غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طَيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ إلا كان له به صدقةٌ».
وقال مفتي الجمهورية: “إن التنمية المستدامة وتشييد بناء حضاري يليق ببلدنا وأمَّتنا لا يتحقَّق إلا بإزالة جميع المعوقات أمام عمليات التنمية التي تفتك بثمار التنمية دون أن نشعر بها؛ فلا بدَّ من ترشيد عمليات الاستهلاك للموارد والمنتجات، وتغيير قيم الاستهلاك المجردة والمضرة التي لا تتوافق مع قيم الاستهلاك في الإسلام القائمة على الترشيد والبعد عن الإسراف”.
وأوضح أنه يجب نشر الوعي بضرورة التوافق بين عدد السكان وبين معدلات التنمية، وأن مقاصد الشرع وغاياته تدعم اتجاه تنظيم الأسرة والحد من زيادة السكان؛ طلبًا لحياة كريمة، وأن واجبنا جميعًا التكاتفُ والعملُ على نشر الوعي وتقويض تلك المعوقات، والمُضِيُّ قُدُمًا في دعم المشروعات التنموية.
واختتم فضيلة المفتي كلمته بقوله: إنَّنا نرى اليوم ثورة التطوير والتحديث الشاملة التي تشهدها مصر تحت إدارتها الطموح، والتي رفعت شعار التنمية المستدامة منذ الوهلة الأولى، وسخَّرت جميع إمكانياتها البشرية والمادية في سبيل الرقيِّ ببلدنا وتنميتها.