بقلم الدكتور/ أحمد علي سليمان
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
عندما قلَّبتُ بصري وفكري في جنبات هذا العنوان (التراث والحداثة في اللغة والتاريخ)، وفي سواحله، وشواطئه، وسهوله، ودروبه، وآفاقه، ومضامينه، وما يرمي إليه في القريب والبعيد، حدثتني بصيرتي وأباحت لي عن رباعية الطرح التي كونت ضميمته (اللغة مع التراث تارة، ومع الحداثة ثانية، وكذا التاريخ مع التراث والحداثة ثالثة ورابعة)، في بوتقة تجمع بين أهم عناصر الهُوية وهي اللغة، ومقومات الخبرة التاريخية لحضارة المسلمين ذات الدروس والعبر، باعتبارها منابع الإلهام، والقوة المحركة صوب المستقبل، الذي بات يعجّ بعمليات من التحدي لا مثيل لها ولا نظير.
وإن هبَّات التحديات وزخَّاتها التي تواجه المسلمين اليوم، تستدعي منَّا جهودًا تفوق الوصف؛ للصمود أمامها وهزيمتها في عراك الحفاظ على الهُوية، ومجابهة السيل العارم من مهددات ثوابتنا وهويتنا العربية الإسلامية وما يحاك لها بليل، في عصر أمست فيه السطوة للتقنية الحديثة وصانعيها ومالكيها وموجهيها الذين يفرضون من خلالها إرادَتهم على العالَم؛ حتى يمم قطاعٌ من النشء والشباب المسلم وجوهَهم وعقولَهم صوبَ حضارةِ هؤلاء…!!.
وإذا كانت بعض الأبواق والأقلام قد صوبت السهام الغادرة نحو التراث الإسلامي برمته واتهموه زورًا وبهتانًا بأنه عائق التقدم، ومعادي الحداثة!!، في حين أن مساحات الاتفاق بين التراث والحداثة شاسعة جدًّا، وقابلة للاتساع، بل إن التراث نفسه يشتمل على مضامين تدعو إلى الحداثة البانية، ولا ريب أن الحوار الأكاديمي حول مواطن الاختلاف في مؤتمر علمي يسعى لتأكيد التعددية البانية للفكر والسلوك والأوطان تحت سقف الأزهر الشريف من الأهمية بمكان.
وموضوع (التراث والحداثة في اللغة والتاريخ: مثاقفة واختلاف) له أهميته، وله راهنيته، وله ضرورته، ولا ريب في أن معالجته في رحاب الأزهر الشريف وجامعته، وفي أروقة كلية اللغة العربية الأم، (قلعة العربية والتاريخ والتأريخ، صاحبة التراث والميراث) يومي 28-29 مارس الجاري، ستضيف له زخمًا ونجاحًا؛ وتكشف للعالم بجلاء مدى إيمان حراس اللغة والفكر الديني المستنير، بالأهمية الفائقة لحفظ مقومات الهوية والتجربة الحضارية الزاهرة، والنهل من كنوز التراث الإسلامي التليد، ومما يقذف به العلم الحديث من منجزات حضارية نافعة؛ للإفادة منها في تعبيد الطريق الآمن نحو المستقبل، المشرق، المزهر، المثمر، لشبابنا، من خلال المزاوجة بين صحيح تراثنا الخالد والحداثة البانية؛ من أجل المضي قُدمًا في خطوات راسخة نحو التقدم والازدهار. فتحية تقدير وإجلال للسادة العلماء القائمين على أمر الكلية والمؤتمر.
وبالله تعالى التوفيق