- الاستغلال الإيجابي للكورونا في الاقتصاد الإيراني
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
أستاذ الدراسات الإيرانية
يقولون إن الكورونا عدو الاقتصاد، ومن ثم فالتوقعات مخيفة في هذا المجال، حيث تقل فرص العمل وتزيد البطالة، وربما يفقد الاقتصاد بعض رجاله كما يفقد بعض رأسماله، لكن من وجهة النظر الإيرانية، فإن للكورونا وجهان، وجه سلبي ووجه إيجابي يفتح سبلا للدعم الاقتصادي، حيث أن بعض الأعمال الاقتصادية تنتعش في فترة الكورونا، وتزيد الأرباح باستمرار دورة رأس المال، وبعضها له جاذبية في الاستثمار يفتح فرص عمل جديدة، خاصة تلك الأعمال التي تستخدم الأون لاين في التجارة وتربح ملايين الدولارات خلال أزمة الكرونا، ويعمل لديها ٢عدد كبير من الموظفين، كما أن الجمعيات التعاونية فضلا عن السلع الجديدة التي استحدثت خلال أزمة الكورونا، قد لعبت دورا إيجابيا كبيرا في مواجهة العقوبات، وتزيد من الفرص الكبيرة. يقول المحلل الاجتماعي أمين رحيمي: لقد زاد مقدار المواد المباعة من الكحول والمضادات الحيوية، وهو ما جعل هذه الصناعة تعوض بطالة عدد كبير من العاملين، وتعمل ثلاث ورديات، كما كانت الفرصة التي أتاحتها الكرونا لبعض وحدات الإنتاج والمصانع الكبيرة والصغيرة لكي تقوم بإصلاحات في خطوط إنتاجها وتدخل إلى طاقتها إمكانات وقوى لإنتاج بعض أنواع المواد الطبية ومنها المضادات الحيوية، ومساحيق وسوائل الغسيل، واستخدمت عددا من العمال والمتخصصين حتى تزيد من طاقتها الإنتاجية وتزيد ورديات العمل، وبلغت هذه الشركات ١٦ شركة كبيرة. من ناحية أخرى قامت بعض الشركات بإنتاج أجهزة التنفس الصناعي والعطور ومواد التطهير والأقنعة والقفازات، فضلا عن بعض الأدوات الإلكترونية، وقد أتاحت أزمة الكرونا أيضا لبعض شركات الإنتاج أن تعدل نوعيات إنتاجها حسب احتياج السوق.(وكالةأنباء فارس في ١٨/٥/٢٠٢٠م)
ويقول روح الله ايزدخواه عضو البرلمان الإيراني عن دائرة طهران: لقد كانت الفرص خلال أزمة الكرونا خمسة أضعاف التهديدات، فإذا كان تأثير الكورونا سلبيا على عشر وحدات إنتاجية مثلا فإن خمسين وحدة أخرى شهدت انتعاشا، لأن حسن إدارة الأزمة يسير في اتجاه إصلاح البنى، وهو ما يحقق فائدة أكثر من الأضرار، فقد ساعد وجود خامات محلية وتقنية محلية في إنتاج أنواع من اللوازم والمعدات الطبية المطلوبة، والتي صدرتها للخارج، فالقفازات مثلا بلغ تصديرها حجم ٩٠ مليون قفازا، كما بلغ حجم الملابس الطبية مائة ألف ثوب. لقد ازدهرت صناعة المنسوجات الصناعية من خلال وجود مشتقات النفط، فضلا عن بعض الأدوات واللوازم الطبية وفلاتر التهوية ومصافي السوائل وسيور السيارات والدراجات وأنواع الأغطية وآليات الجراحة وتجهيزات المعامل، وهو ما كان عنصرا مساعدا في دعم الاقتصاد الوطني، واستقطاب الأيدي العاملة، وقد بلغ إنتاج صناعة الأقنعة أربعة ملايين يوميا من الأنواع المفلترة والنانو والإن ٩٥، والتي يصدر الكثير منها إلى دول جنوب غرب آسيا. فضلا عن ألف جهاز أكسجين وأجهزة تنفس صناعي وتخدير. لقد ازدهر عمل شركات إنتاج العلم، خاصة في مجال النانو تكنولوجي، وإنتاج أجهزة غرف والسي سي يو واآي سي يو ووالسي تي اسكن وأجهزة تشخيص الكرونا وأجهزة قياس الأكسجين وضربات القلب وأقنعة النانوللعمليات.
فيما يتعلق بمجال علوم وصناعات الديجيتال والاتصال المجازي بدءا من تجارة الالكترونيات والتعليم المجازي والسوفت وير، فضلا عن خدمات المدارس عبر الانترنت، فقد قامت بدورها في دعم الاقتصاد الإيراني. كذلك زاد الإنتاج المبتكر والبيع للعب الأطفال.(وكالة أنباء فارس في ١٨/٥/٢٠٢٠م)
لقد كان لأزمة كورونا تأثيرا إيجابيا على الأنشطة الفنية في إيران أيضا، فإن كان قد تعطلت بعض هذه الأنشطة إلا أن بعضا آخر قد أوجد فرصا اقتصادية، فقد حققت عروض الأعمال الفنية عبر الأونلاين، خاصة في مجال الفن السابع دخلا جيدا، رغم توقف العروض في دور السينما، خاصة فيلم الخروج لابراهيم حاتمي كيا وفيلم الذهب لبرويز شهبازي، فضلا عن عرض هذه الأفلام بطرق جديدة في السيارات الخاصة، إضافة إلى عروض ما يسمي بسينما الماكينة، وهو أعطى لصناعة السينما رونقا جديدا.
لقد استفادت إيران من أزمة الكورونا في تجاوز العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الولايات المتحدة، حيث قامت ببيع أربعة ناقلات محملة بالبنزين إلى دولة ونزويلا مقابل كمية كبيرة من الذهب الخام، وقد وصلت الناقلة الأولى دون مواجهة مع أمريكا، وهذه الصفقة فضلا عن أنها تزيد من احتياطيها المالي، فإن صناعة الذهب والصياغة سوف تستفيد من هذه الصفقة.
التجربة الإيرانية في مجال استثمار أزمة الكرونا من أجل إعادة النظر في الاقتصاد التقليدي، وتطوير بعض الصناعات، وفتح مجالات اقتصادية جديدة، وتشجيع صناعة العلم، وزيادة إنتاج الوسائل والآليات التي يحتاجها السوق خلال أزمة الكرونا، جديرة بالدراسة من أجل الاستفادة منها.