بقلم: الدكتور يسري عبد الغني
وصل جماعة من الموريسكيين إلى مصر وإلى بلاد الشام، في مصر كانوا أصحاب جاه وثروة ، وهناك كتاب مهم للدكتور حسام محمد عبد المعطي تتبع فيه هجرتهم إلى مصر بدقة، وقال انهم استوطنوا شمال الدلتا (محافظة كفر الشيخ حاليا) فقد كانت هذه المنطقة منخفضة الكثافة السكانية أو معدومة، وقد أنشأ الموريسكيون في هذه المنطقة عددا كبيرا من القرى ذات الأسماء الأندلسية مثل الحمراوي، إسحاقة، أريمون، محلة موسى، سيدي غازي، كفر الشيخ، سد خميس، الناصرية، محلة دياي وقطور.
أيضا استوطن الموريسكيون الإسكندرية واطلقوا على أهم أحيائها أسماء مستوحاة من “الأندلس” على غرار حي الشاطبي، نسبة إلى شاطِبة، والمنشية، نسبة إلى لا مانشا، وغيرها.
أحفاد هؤلاء الأندلسيون والموريسكيون ينتشرون اليوم في كل البقاع المصرية، نذكر منها عائلات: ابن نقيطة التي هاجرت إلى مصر في القرن 16م قادمة من مدينة طليطلة الإسبانية، حميد التي وصلت بداية القرن 17م وهي من قرطبة مثلها مثل عائلة الحوني، وعائلة ديلون التي وصلت عام 1620م، وجبريل التي رحلت من قرطبة إلى مصر بداية القرن 17م، وغروش التي جاءتها في القرن 16م، والعادِلِي ، الصباحِي، والطودِي.
في الوقت الحاضر اختلفت الدنيا ولا يستطيع الأسبان التنكر للحضارة العربية التي دخلت ثقافتهم ولم تخرج منها حتي بعد طردهم، ويعتقد العديد من المؤرخين الإسبان منهم وغير الإسبان أن طرد الموريسكيون كان “حماقة” لم يكن لها من مسوغ معقول لا من الناحية الأمنية ولا من الناحية الاقتصادية.
فاللغة الأسبانية على سبيل المثال دخلتها 4 آلاف كلمة عربية ، كما تأثرت العمارة في ربوع أسبانيا بشكل كبير بالعمارة الإسلامية في الأندلس، وحتى في الشمال الذي لم يصل إليه العرب شاهدت هناك العديد من البيوت التي ما زالت تحمل العديد من الزخارف العربية الإسلامية إلى وقتنا هذا، وفي أحد المصانع الخاصة شاهدت جهاز مازال يستخدم حتى الآن وهو جهاز القطارة اسمه كذلك باللغة الأسبانية الذي يستخدم في تقطير السوائل الذي اخترعه جابر بن حيان سنة 800 ميلادية.
علم العرب الأسبان الكثير من طرق الطهي وأدخلوا إلى المطبخ الأسباني الكثير من المحاصيل الجديدة أهمها.. الخضروات، والبهارات، وعلموهم طرق الزراعة، ومدوا شبكات الري المعقدة، وساهموا في ترشيد طرق المياه، ومن أشهر الكلمات التي تنطق بالعربية في هذا المجال ” السوق، والرز، والربع وحدة القياس، والزعفران، والسوسن، والريحان، وما زالت البقوليات مثل الفاصوليا، والبسلة، والحمص، وغيرها تباع في الأسواق في أجولة كما تباع عند العطارين في المغرب ومصر.
ربما يفيق العالم يوما ، ويعود إلى استحضار التاريخ وتنقيته من شوائب الكراهية والظلم والتهجير القصري، ويعود الوئام والسلام وفتح الأبواب إلى كل البشر بغض النظر عن اللون أو العرق أو الدين.. عندها ربما تسود الإنسانية وتختفي كل هذه الكراهية والحقد والغل الذي نشاهد فصوله المتتابعة في عالمنا حتى وقتنا هذا.