متابعة :ملك احمد رامون
مسقط، خاص:
المتابع للسياسة الخارجية العُمانية يدرك أنها تقوم على أسس ومرتكزات واضحة، عمادها الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شأن الآخرين، في الوقت الذي لا تسمح فيه حكومة سلطنة عمان بالتدخل في شأنها الداخلي، وهو ذلك النهج الذي تأسس منذ فجر النهضة العُمانية منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي، ويتعزز اليوم في عُمان بنهضتها المتجددة بقيادة السلطان هيثم بن طارق.
كما تتميز سياسة سلطنة عمان بالواقعية والتكيف مع الظروف المتغيرة دون المساس بالمرتكزات، فثمة مبادئ جلية هي الإيمان الكبير بأن العالم بشكل عام يجب أن يسوده السلام والإخاء، وأن يقوم نسيج العلاقات بين الدول على المنافع المشتركة، التي تقود إلى تعزيز فرص التعايش الأخوي والصداقات بين الشعوب والدول، ما ينعكس على المناحي الاقتصادية والتجارية والثقافية والمعرفية.
وعلى ذلك مضت الدبلوماسية العمانية، مسترشدة بالثوابت منذ فجر النهضة العمانية، تمد جسور الصداقة مع العالم، وتقيم العلاقات الحسنة والمتكافئة مع الدول المحبة للسلام، ملتزمة بالمواثيق الدولية ومبادئ الأمم المتحدة، وانتهاج الطرق السلمية لحل النزاعات، بما يخدم الأمن والاستقرار العالمي.
وكانت الدبلوماسية العمانية في كل ذلك مرتكزة على الحكمة والتعقل والاتزان، ولذلك لم يكن غريبا أن تحوز تقدير العالم، واحترامه، مما مكنها من القيام بدور فعال في معالجة كثير من القضايا والأزمات، برؤية ثاقبة، وحكمة وجرأة في اتخاذ القرار.
وقد تمكنت السلطنة في ظل استراتيجية السلام التي انتهجتها في إعطاء العديد من الأمثلة العملية لتعزيز العلاقات مع الأشقاء، وحل الخلافات الثنائية، بما فيها كل ما اتصل منها بجهود ترسيم الحدود، في إطار حضاري يرتكز على مبدأ لا ضرر ولا ضرار، ويسمح في نفس الوقت بتحويل الحدود المشتركة إلى معابر خير وجسور تواصل مع الأشقاء والأصدقاء، وبما يحقق المصالح المشتركـة والمتبادلة.
وأكد وزير الخارجية بدر بن حمد البوسعيدي على مجمل تلك المعاني أو المبادئ الاستراتيجية والثابتة، التي لها أفق بعيد المدى ورؤية استشرافية للأمور، ومعلوم أن كل ما يتأسس على المبادئ الإنسانية السمحة يكون له طابع الديمومة والاتزان، والبقاء لفترة أطول، وهو جوهر المعنى الإنساني في صلب وصميم تلك الفلسفة العمانية للعلاقة مع الآخر من الجار القريب إلى الصديق القريب أو البعيد جغرافيا.
هذا يعني أن وجهات النظر المختلفة والمتنوعة، تظل محترمة ومقدرة بين الأطراف، وأن الكل يجب أن يضع اعتبارا لرؤية الآخر ومنهجه باتجاه الموضوع أو القضية المعينة، وفي ظل هذا الإطار يكون للجميع أن يفكروا بشكل أفضل بما يحقق القيمة المشتركة، التي تعمل على الإضافة النوعية لكل الأطراف، وتصنع سبل التكامل الاقتصادي والإنساني وغيرها من جوانب الحياة، فقالب الفكر السياسي والدبلوماسي الواقعي والعملي يأخذ من هذا الجوهر الذي يعتمد المصداقية والشفافية والصدق مع الذات وتقدير الآخرين.
ووفقاً للخبراء والمحللين، فإن النجاحات المختلفة للدبلوماسية العمانية، لا تتوقف عند حدود المساهمة في نزع فتيل الأزمات، وتقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة، بل يمتد الأمر إلى ما هو أعمق وأشد تأثيرا؛ من خلال الإسهام في صناعة القرار بمثل هذه المؤسسات، التي تمثل جانبا مشرقا من القوة الناعمة لعُمان.
ولا شك أن المنظور الشامل لقضايا الشعوب والأمم والدول في عالم اليوم، يجب أن يضع في الاعتبار ما يمكن أن يتحقق على صعيد الكل، وهذا ينعكس ليس على طرف أو طرفين، بل على العالم أجمع، فثمة قضايا باتت أكثر تشابكا قد لا تكون ذات بعد سياسي مباشر، غير أنها تصب في قلب الفكر السياسي والاقتصادي نسبة لتداخل الموضوعات والمتطلبات في عالم اليوم، وأقرب مثال لذلك قضايا المناخ والتشارك العالمي المطلوب في هذا الإطار، التي تكشف أن التشاركية فيها تنعكس بالمنفعة على الجميع.
غير أن ذلك لا يعني التماهي في ثقافات الآخرين بشكل كلي، بل يجب أن يحتفظ كل طرف بقيمه وإرثه وكل ما يتصل بالمعاني الأصيلة ذات البعد العميق في الصلة بالموروث وثقافة الشعب أو البلد المعين، وأن جوهر الحداثة الثقافية أو السياسية يرسم دوائره من خلال هذه التقاطعات التي تؤكد على ضرورة المحافظة على توليفة التوازن بين قيم الأمس واليوم، بين الأصيل والمعاصر والجديد، وهو نهج الدولة العمانية في فكرها السياسي والثقافي والإنساني.