إشكالية الحكومة القادمة في إيران
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
أستاذ الدراسات الإيرانية
رغم أن الزعيم الإيراني آية الله سيد علي خامنئي يؤكد على تمسكه بالقيادة الشعبية الدينية، إلا أن حركته السياسية تسير في اتجاه توحيد القيادة متضمنة السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى جانب حراس الثورة الإسلامية حول ولاية الفقيه، وهو ما يمثل إشكالية كبيرة في كيفية تشكيل الحكومة الجديدة أبريل ٢٠٢١م، بعد انتهاء مدة رئاسة الرئيس حسن روحاني، لأن الزعيم خامنئي وإن كان قد نجح في ضبط السلطتين القضائية من خلال تعيين آية الله إبراهيم رئيسي رئيسا لها، والتشريعية من خلال تصفية مرشحي الانتخابات البرلمانية عبر مجلس الرقابة، وهو ما ترتب عليه استيلاء أغلبية أصولية كبيرة على مقاعد البرلمان، ومنها سيكون رئيس السلطة التشريعية وهيئة رئاستها ومعظم قيادات اللجان البرلمانية، إلا أن انتخابات رئاسة الجمهورية، وما يترتب عليها من تشكيل حكومة جديدة تثير قلقا لدى الزعيم، فحتى لو تمت تصفية المرشحين عبر مجلس الرقابة، فإن الأصوليين ليسوا متفقين على مرشح معين، باعتبار أن هناك جماعات متعارضة داخل التيار الأصولي، يمثل كل منها اتجاها واضحا في أسلوب إدارة البلاد، ونوعية الحكومة، ولكل من هذه الجماعات رصيد لا يجعل أحدا يستطيع التنبؤ بالمرشح الذي سيتولى رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة الجديدة، ورغم أن الزعيم خامنئي يملك حقا شرعيا ودستوريا بعدم الموافقة على تولي الرئيس المنتخب، إلا أن إعلانه الالتزام بالقيادة الشعبية الدينية يجعله في حرج بالغ من اتخاذ هذا القرار، خاصة وأن رئيس الجمهورية هو الشخص الثاني في النظام حسب الدستور، فإن كان لرئيس الجمهورية اتجاها يتعارض مع توجهات الزعيم سوف يفسد الخطة المستقبلية للزعيم في المرحلة القادمة، حتى لو أبدى الرئيس المنتخب ولاءه وطاعته للزعيم، إلا أن إدارته للدولة سوف تختلف فعليا مع توجه الزعيم.
لذلك فإن قلق الزعيم يتمثل في عدم رغبته تكرار سياسة الرئيس روحاني الذي أعلن ولاءه للزعيم لكن إدارته كانت في مسار آخر، مما جعل توجيهات الزعيم، خاصة في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وربما السياسي حبرا على ورق. فإذا كان رئيس الجمهورية القادم قويا سيرتفع شأن الصراع بين مؤيدي الزعيم ومؤيدي رئيس الجمهورية وحكومته، خاصة وأن البرلمان الذي تولى مسئولية التشريع أعلن عن اعتزامه السير على نهج الزعيم وتنفيذ توجيهاته، كما أن رئيس السلطة القضائية قد اتخذ بالفعل طريقه في تنفيذ توجيهات الزعيم.
يعتبر موقف النظام من علي مطهري، وهو أحد قيادات الأصوليين، مؤشرا واضحا على إصرار الزعيم في المضي على ما انتوى عليه، فعلي مطهري ابن لواحد من أكبر قيادات الثورة المرحوم آية الله مرتضى مطهري، يتسم بالإخلاص والجدية وحب الثورة والولاء للنظام، فضلا عن علمه وخبرته، وميراث والده، إلا أن مشكلته أنه يتخذ موقفا نقديا صارما لا يمل، لكل رأي لا يراه، ولكل عمل يجده متعارضا مع أهداف الثورة، ولكل مسئول مقصر في مهامه، إلى الدرجة التي جعلت الزعيم يشعر بانزعاج من كثرة القضايا التي يثيرها، ومن ثم لم يعطه مجلس الرقابة صلاحية دخول الانتخابات البرلمانية، بدعوى عدم التزامه بولاية الفقيه، رغم أنه كان من أنشط أعضاء البرلمان المنتهية مدته.
النقطة الأخري التي ينبغي التوقف عندها، نجاح أنصار الرئيس السابق أحمدي نجاد في تجاوز مجلس الرقابة وفي الانتخابات البرلمانية، وبتوليهم مواقع مؤثرة في قيادة البرلمان يشكلون قوة موجهة للبرلمان، وهم بطبيعة الحال يعملون بتوجيهات أحمدي نجاد، فإذا تذكرنا أن الزعيم الإيراني رفض ترشح أحمد نجاد لانتخابات الرئاسة السابقة، بما يعني عدم رغبته في توليته إدارة البلاد بدلا من حسن روحاني، وعندما أصر أحمدي نجاد على الترشح لم يعطه مجلس الرقابة الصلاحية باعتبار أن الزعيم لا يرى ترشحه مناسبا دون إبداء الأسباب، وهنا يبدو التساؤل حول إتاحة الفرصة لأنصار أحمدي نجاد لتوجيه السلطة التشريعية، فربما ندم خامنئي على موقفه من أحمدي نجاد، أو أنه اكتشف أن أحمدي نجاد أو أحد تلامذته من العناصر التي يمكن أن تخدم رؤيته للمرحلة المقبلة!
من اللافت للنظر إبداء الزعيم خامنئي اهتماما كبيرا بتولي العناصر الشابة مسئوليات هامة في المرحلة القادمة، حيث قام بعقد لقاء في الثالث والعشرين من شهر رمضان المعظم مع القيادات الطلابية، مستوضحا مطالبهم خلال المرحلة القادمة، ورؤيتهم حول إدارة هذه المرحلة، مؤكدا أن الحكومة الشابة الثورية الإسلامية هي علاج مشكلات البلاد، وأن المستقبل متعلق بالشباب. من ثم قام بشرح عدد من التوصيات التي ينبغي على العناصر الشابة تنفيذها، وتتعلق بالتفرقة بين المطالب الضرورية والصدام والتطاول، ضررة بناء الخطاب، السعي لدعم جبهة الثورة بالتعاون، عدم تأصيل اختلاف الميول والأذواق، وضع حدود مع المتشككين في أصول الثورة وأسسها، التأكيد على التقدم العلمي، اليقظة في مواجهة استغلال العدو للشباب، توضيح المفاهيم الصحيحة للحكومة الشابة الثورية.(وكالة أنباء فارس في ١٦/٥/٢٠٢٠م)
يقول المحلل السياسي رضا حقيقت نجاد: إن توصية الزعيم خامنئي للشباب لم تكن مجرد توصيات، بل كانت إعلانا لبرنامج سياسي من أجل صناعة حكومة، وتوجيه نحو المنافسات الانتخابية حول مقعد الرئاسة في ٢٠٢١م، فلقد اختار أن يخاطب الشباب بوصفهم حزب الله والشباب المؤمن والقوى الثورية المؤمنة والوفية في المجتمع، فضلا عن استخدامه تعبير حكومة حزب الله الشابة في حديثه، وهو التعبير الذي أطلقه على حكومة أحمدي نجاد من قبل، وكأنه يتلمس أحمدي نجاد آخر للرئاسة القادمة.(راديو فردا في ١٨/٥/٢٠٢٠م) وتقول صحيفة ابتكار في تقريرها الأساسي: إن أحمدي نجاد من السياسيين الذين يتمتعون بمؤيدين كثيرين في المجتمع، وربما كان عدم قيامه بزيارات للمحافظات خلال السنوات الأخيرة سببا في نسيان إنجازاته خلال فترة توليه رئاسة الجمهورية ثماني سنوات، إلا أنه لم ييأس بدليل زياراته للمحافظات قبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والتي ساهمت في حصول أنصاره على أصوات دفعت بهم إلى السلطة التشريعية.(صحيفة ابتكار في ١٨/٥/٢٠٢٠م)
من هنا ينبغي أن نعتبر إشكالية الحكومة القادمة في إيران أحد المصاعب التي تواجه النظام الإيراني، خاصة مع ضغوط الظروف الحالية، وأزمة الكرونا.