بقلم: د. مصطفى النجار
يضع التفكر الإنسان على أعتاب الهداية، فالكون كتاب الخالق المنظور الذى تتجلى فيه قدرته وصفاته العلية، مما يقود الإنسان لاستصغار نفسه، ويذكره ضآلة حجمه، فلا إلحاد ولاغرور ولا كبر ولا عدوان، بل عبودية وتسليم وانقياد لخالق عظيم، ليتلقى من كتابه المقروء القرآن القيم والأخلاق والشرائع ، لينشىء مجتمعا وفق منهج الخالق لا وفق النوازع والغرائز والأهواء.
بيد أن الغرق فى صغائر الحياة يعوق إدراكنا لبديع حقائق الكون الكبرى، رغم أن أرضاً مبسوطة وجبالاً رواسى وسماءً ممدودة وشمساً مشرقة وقمراً منيراً، وليلاً يعقبه نهار آيات ساطعة تهز غفلتنا صباح مساء ، تصرخ فينا استيقظوا، انظروا تفكروا جمال الكون المشهود، لترتوى قلوبكم هدايةً فى يقين، بأن لهذا الكون مبدع، خالق يتصف بصفات الجمال وجلال الكمال.
لكن سحائب الإلف والعادة الداكنة تمطرنا ضباباً كثيفاً يحرمنا رؤية سماء الحقيقة الصافية، لنعيش تحت أنوارها ظُلمَةً دامسةً، كضريرٍ يتحسس خطاه تحت الشمس، يعيش فى أنوار تَلسعُ حرارتها جلده الغليظ، لكن الظلمات تغشاه دون سواه، ينعم بالنعم يتلذذ حلاوتها وينسى المُنعِمُ صاحب الفضل، يولد و يكبر ويسعى ويرتاد الفضاء، ثم يرحل غافلاً ذاهلاً عن الخلاق العليم بديع السماوات والأرض، ألا ما أعظم خسران ذاك الضرير المسكين، يستهلكه السعى لمأكل وملبس ومشرب، وتلهيه الصغائر يدور فى رحاها حتى يدركه الموت، ليغادر فانية عَمَّرَها لآخرةٍ خالدةٍ خَرَّبَها، نسيها وما تذكرها.
لقد كان بوسعه عمارة دنياه وآخرته، ألا ما أتعس هذا وأشقاه، أتى للدنيا ورحل دون أن يذوق أهنأ وألذ ما فيها، تَفَكُّرٌ فى الكون يُثمرُ بالقلب يقيناً ويروى النفس عشقاً، يقيناً يملاء الفؤاد رهباً من رب سنلقاه ورغباً فى آخرةٍ نصير إليها، وعشقاً لذاتٍ عَلِيَّةٍ تهون فى ظلالها فواجع الدنيا وآلامها، يقيناً وعشقاً يظبط مشاعر وسلوك وعلاقات العنصر البشرى ، يؤهله ليكون أحد عناصر مدينة الإسلام الفاضلة على الأرض، ويمنحه مقام السابقين الأولين المرافقين لمحمد صلوات الله عليه مع النبيين والصديقين والشهداء فى جنان الفردوس الأعلى، لينعم راضياً برضى الخالق ورضوانه، مستمتع القلب هانىء النفس نضر الوجه برؤية جمال الكمال، وكمال الجلال، منتهى عشق العاشقين وجه المبدع الخالق العظيم.
فيا شوقاه يا حباه يا الله لا تحرمنا خير ما عندك بسوء ما عندنا، أنعم وتفضل برضاك ورضوانك على وعلى والدى والمسلمين وقارىء تلك الكلمات، ولا تجعل لأحد سواك فى أعمالنا نصيب يا رب العالمين.