بقلم د/ محمد بركات
من علماء الاوقاف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: فاللغة العربية من بين اللغات بمثابة الملك من بين الجميع لغة متفردة في الألفاظ والتراكيب والمفردات التي لا تقف عند حدود الزمان والمكان.
تواكب الحديث من التطور علي جميع الأصعدة والمستويات ففي كل فن من فنون العلم لها سمتها ووجودها لا تلمس فيها التقعر اللغوي إنما تواكب الحديث ولا تتبرم للقديم.
وقد خضت قديماً فن وعلم التعريب لبعض الألفاظ المشهورة في أكثر اللغات فوجدت لغتنا العربية الجميلة تواكب ولا تنازع تجدد ولا تقف حجر عثرة ضد الحديث ، وهذا بخلاف ما يذهب إليه البعض ، وقد بنيت هذا بعد قراءة متصلة في أمهات كتب العربية فحق لها والحق كله أن أراها سيدة وأم اللغات بلا منازع.
إنَّ الّذِي مَلَأَ اللُّغَاتِ مَحَاسِناً.. جَعَلَ الْجَمَالَ وَسِرَّهُ فِيْ الضَّادِ
فيكفينا شرفا أنها لغة يحبها الله، وهي لغة القرآن الكريم فحق لأمة نبيها محمد ﷺ عربي ، وكتابها القرآن الكريم عربي ، وسنة النبي ﷺ عربية أن تحوز فخارا خاصاً من العزة والكرامة بما وهبها الله ذلك.
وهي بشهادة الجامعيين حول العالم أكثر اللغات تحدثاً ضمن مجموعة اللغات السامية، وأغزر اللغات بالمفردات بأزود من اثني عشر مليون كلمة، وهي إحدى أكثر اللغات انتشارا في العالم، يتحدثها أكثر من أربعمائة واثنين وعشرين مليون نسمة، ويتوزع متحدثوها في المنطقة المعروفة باسم الوطن العربي.
بالإضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة كالأهواز وتركيا وتشاد ومالي والسنغال وإرتيريا. اللغة العربية ذات أهمية قصوى لدى المسلمين.
ومن الفخر لنا نحن المسلمون أنها لغة القرآن الكريم، ولا تتم الصلاة (وعبادات أخرى) في الإسلام إلا بإتقان بعض من كلمات هذه اللغة.
بل إن اللغة العربية كذلك لغة طقسية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في الوطن العربي، كما كتبت بها الكثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى. وأثّر انتشار الإسلام، وتأسيسه دورا، في ارتفاع مكانة اللغة العربية، وأصبحت لغة السياسة والعلم والأدب لقرون طويلة في الأراضي التي حكمها المسلمون، وأثرت العربية، تأثيرًا مباشرًا أو غير مباشر على كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي، كالتركية والفارسية والأردية والألبانية وبعض اللغات الإفريقية الأخرى، وبعض اللغات الأوروبية كالروسية والإنكليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والألمانية. كما أنها تدرس بشكل رسمي أو غير رسمي في الدول الإسلامية والدول الإفريقية المحاذية للوطن العربي.
عندما بحث العلماء طويلاً في أبحاث استغرقت لثمانين عاما حول لماذا كانت العربية لغة القرآن الكريم؟
وجدوا أسراراً عجيبة أهمها الكم الهائل من التراكيب اللغوية والمترادفات، لدرجة أن بعض الكلمات لها أكثر من أربعين معني في غاية التمكن والتفرد منقطع النظير.
مثل كلمة ( الصريم) في قوله تعالي: { فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ }( سورة القلم، الآية: 20) أي جزء من الليل ، بداية من الليل ، سواد الليل ، آخر الليل ، الليلة المحاق، الليلة شديدة الجفاف، الليل الأسود، جنة أصبحت محترقة سوداء كسواد الليل. ….الخ
وبالوقوف علي حد من حدود الإعجاز البياني للقرآن الكريم في لفظة ﴿الصَّرِيمِ﴾، في قول الله – عز وجل -: ﴿فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ﴾ كالليل المظلم، وهل كانت العرب تعرف ذلك؟ جاء في قول النابغة وهو يقول:
لا تزجزا مكفهًّرّاً لاكفاء له… كالليل يَخْلِطُ أصراماً بأصرام
من (ظ، في الروايتين، طب) وفي (تق ك، ط) قال ابن عباس: كالذاهب. واستشهد له بقول الشاعر:
غدوت عليه غدوةٌ فوجدته… قعوداً لديه بالصريم عواذلُهْ
فجاء تأويل الصريم بالذاهب قد يراد به المصروم. وتأويله في رواية (ظ، طب) مثل ما قاله الفراء في معنى الآية: كاليل الأسود.
وقال ابن قتيبة في تأويل المشكل: أي سوداء كالليل لأن الليل ينصرم عن النهار، والنهار ينصرم عن الليل (باب المقلوب) ولعل هذا وجهُ عَدَّه من الأضداد: يقال لليل وللنهار: صريم، لأن كل واحد منهما ينصرم من صاحبه… فأصبحت كالصريم… معناه كالليل الأسود قال زهير: غدوت عليه البيت (الأضداد لابن الأنباري)، وكذلك ذكره الأصمعي في (الأضداد) وقال: ومن الصريم الليل قوله تعالى: ﴿فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ﴾ أي كالليل. وفي (الأضداد لأبي حاتم السجستاني): والصريم الليل إذا تصرم من النهار، والنهار إذا تصرم من الليل، والصريم أيضاً المصروم، وعن أبي عمرو الشيباني، وأنشد بيت زهير: يريد الليل.
وأسند الطبري عن ابن عباس، قال: الليل المظلم. وعنه أيضاً: كالرماد الأسود وعن سفيان: كالزرع المحصود، فالصريم بمعنى المصروم.
والراغب فسر الصرْم بالقطيعة. وقال في الآية: قيل: أصبحت كالأشجار الصريمة، أي المصروم حملها. وقيل كالليل، أي صارت سوداء لاحتراقها (المفردات) وكذلك فير ابن الأثير والصرم بالجدع والقطع (النهاية).
ونرى دلالة القطع في الصرم. وفي الهجر والقطيعة، وفي الصرم: البت، والصارم: القاطع، ومعنى الآية يقوى بالقطع، دون الذهاب، من حيث لا يطمئن السياق على تأويل: إذا أقسموا ليذهبن بها… فأصبحت كالذاهب… والله أعلم.
كل هذا في لفظة واحدة تعددت المعاني لكلمة فكيف بملايين ملايين الكلمات سبحان الذي علم بالقلم ، سبحانه علم الإنسان مالم يعلم، وهذا يعطي تفرد للعربية حتي أن اليونسكو اعتمدتها حديثاً ضمن أكثر اللغات الحية المنتشرة ببن التأليف والحديث بها، كل هذا يعطي تميز لها بنزول القرآن بها لسان عربي مبين، الضاد الحرف الوحيد من بين لغات العالم الموجود في العربية، في كل اللغات يتكون من حرفين إلي ستة أحرف، كما في الصينية القديمة وغيرها وكذلك في الروسية والألمانية، فهي متفردة حتي في الحروف، وكذلك التشكيل والمخارج وفنون الإخراج والتعبير الصوتي.
اللغة العربية سيدة اللغات وبحرها الذي لا ساحل له بها نشرف علما وأدبا ومكانة حيا الله العربية ونفعنا الله بعلومها.