بقلم: د/ محمد بركات
من علماء الأوقاف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: في مثل هذا الوقت من الزمان في كل عام وقبله بعدة شهور تخرج علينا في الشاشات وبين أوراق الجرائد والصحف الكذبة ممن يدعون معرفة الأشياء، وادعاء ما خفي من أمر الزمان والعام، سيحدث حريق يلتهم نصف العالم.. سيحدث تناحر وحروب قبلية.. ستحدث حرب عالمية تلتهم الأخضر واليابس .. سيحدث..سيحدث..سيحدث..!
من أين لكم بالعلم بهذه الأشياء؟! أهو من قبيل الرجم بالغيب؟! أم من قبيل نشر السوداوية والتشاؤم وحروب نفسية تدمر ما بقي من فأل الناس وخيرهم؟! إن الناس قد سئمت من ذكر ما يحبطها ويجعلها مصدر للتشاؤم والإحباط.
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله ﷺ: إذا قالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهو أهْلَكُهُمْ.
وهنا يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحديثِ أنَّ الرَّجلَ إِذا قال: هَلكَ النَّاسُ، أيِ: استَوجَبوا النَّارَ بِسوءِ أَعمالِهم؛ فهوَ أَهلَكُهم، رُوِيَ: أَهلَكُهم عَلى وَجهينِ مَشهورَين؛ ضَمُّ الكافِ وفَتحُها، ورِوايةُ الضَّمِّ أَشهَرُ ومَعناها: أَكثَرُهم هَلاكًا، وهوَ الرَّجلُ يُولعُ بعيبِ النَّاسِ، ويَذهبُ بنَفسِه عُجبًا، ويَرى له فَضلًا عَليهِم. ورِوايةُ الَفتْحِ مَعناها: هوَ جَعَلَهم هالِكينَ لا أَنَّهم هَلَكوا في الحَقيقةِ.
وفي الحديثِ: النَّهيُ عنِ العُجبِ والكِبْرِ، وفيهِ: النَّهيُ عنِ القُنوطِ مِن رَحمةِ اللهِ.، وجاء في تفسير الإمام الطبري حول قوله تعالى: ” قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ” “سورة الذاريات، الآية: 10″ يقول – تعالى ذكره : لعن المتكهنون الذين يتخرصون الكذب والباطل فيتظننونه .
واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله ( قتل الخراصون ) فقال بعضهم : عني به المرتابون .
عن علي، عن ابن عباس قوله ( قتل الخراصون ) يقول : لعن المرتابون، عن ابن عباس قوله (قتل الخراصون) قال : الكهنة .
عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد (قتل الخراصون) قال : الذين يتخرصون الكذب كقوله في ” عبس ” ” قتل الإنسان”، عن مجاهد قوله ( قتل الخراصون ) قال : الذين يقولون : لا نبعث ولا يوقنون .
عن قتادة (قتل الخراصون): أهل الظنون ، قال ابن زيد في قوله (قتل الخراصون) قال : القوم الذين كانوا يتخرصون الكذب على رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ، قالت طائفة: إنما هو ساحر ، والذي جاء به سحر . وقالت طائفة : إنما هو شاعر ، والذي جاء به شعر ; وقالت طائفة : إنما هو كاهن ، والذي جاء به كهانة ; وقالت طائفة ( أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا) يتخرصون على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – .
وقوله (الذين هم في غمرة ساهون) يقول- تعالى ذكره- : الذين هم في غمرة الضلالة وغلبتها عليهم متمادون ، وعن الحق الذي بعث الله به محمدا – صلى الله عليه وسلم – ساهون ، قد لهوا عنه .
فمن يتتبع سنن الله في كونه يجد أن الأحوال تتغير وتتبدل فبعد الظلام نورٌ، وبعد التعب راحة، وبعد المرض عافية، وبعد الفقر غنى، وبعد الضيق فرج، وبالصبر والتجلُّد ينال المرء ما يطلب، ومن المحال دوام الحال.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (يعجبهُ الفأل)، والفأل: هو تأميل الخير، وإحسان الظن بالله عز وجل، وكان صلى الله عليه وسلم إذا سمِعَ اسمًا حسنًا، انشرح صدره لذلك، ولما أقبل سهيل بن عمرو رضي الله عنه في قصة الحديبية؛ ليتفاوض مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ورآه مقبلًا، قال صلى الله عليه وسلم: (لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ)، وكان كما أمَّل صلى الله عليه وسلم، فكان مجيئُه سببَ خيرٍ.
وفي ذلك يقول ابن تيمية رحمه الله: “كثير من الناس إذا رأى المنكر، أو تغير كثير من أحوال الناس، جزع وناح كما ينوح أهل المصائب وهو منهيٌّ عن هذا؛ بل هو مأمورٌ بالصبر والتوكُّل والثبات على دين الإسلام، وأن يؤمن بأن الله مع الذين اتقوا، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:”بدأ الإسلام غريبًا، ثم يعود غريبًا كما بدأ”، وفي حديث النبي ﷺ وهو من جواهر السنة المطهرة :عن أنس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا) .
فالمتأمل يجدها أربع جُمل: الأولى قوله: “يسِّروا”؛ يعني: اسلكوا ما فيه اليسر والسهولة؛ سواء كان فيما يتعلق بأعمالكم، أو معاملاتكم مع غيركم؛ ولهذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – من هدْيه أنه ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا، كان أبعد الناس عنه، والثانية “ولا تُعسروا” ؛ يعني: لا تسلكوا طرق العسر؛ لا في عبادتكم، ولا في معاملاتكم، ولا في غير ذلك؛ فإن هذا منهي عنه، فلا تعسِّر؛ والثالثة”وبشِّروا” يعني: اجعلوا طريقكم دائمًا البشارة، بشِّروا أنفسكم، وبشِّروا غيركم؛ يعني: إذا عمِلت عملًا، فاستبشر وبشِّر نفسك، فإذا عملت عملاً صالحًا، فبشِّر نفسك بأنه سيُقبَل منك إذا اتَّقيت الله فيه؛ لأن الله يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾(سورة المائدة، الآية: 27)، والرابعة “ولا تُنفروا” ؛ يعني: لا تنفروا الناس عن الأعمال الصالحة، ولا تُنفروهم عن الطرق السليمة، بل شجِّعوهم عليها، حتى في العبادات لا تُنفروهم، ويدخل في التنفير التقنيط والتعجيز وتسويد الأيام والأزمنة.
ولقد حذرنا النبي ﷺ من سب الدهر والإساءة له فقال: فيما أخرجه الإمام من مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال النبي ﷺ فيما جاء عن الله تعالي ” لا تَسُبُّوا الدَّهْرَ ، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قال : أنا الدَّهْرُ ، الأَيَّامُ و اللَّيالِي أُجَدِّدُها و أُبْلِيها ، وآتِي بِمُلوكٍ بعدَ مُلوكٍ”
تفاءلوا بالخير تجدوه ، وبشروا بالفرح والسلام والسعادة تجدوهم، بشروا المرضي بالشفاء والغائب بالعودة ، فسينزل القطر ، وينبت الزرع ويدر اللبن من الضرع ، وينتشر الخير بين الناس ، بشروا بزوال الأوبئة والأمراض ستنتهي إن شاء الله.. اللهم حقق لنا فألا حسنا تحبه لنا يا أرحم الرّاحمين.