البشرية الحائرة وهِداية الأنبياء
بقلم دكتورة/ هدى عبد الهادي
- من تأمل عناية الله بخلقه وجد أن حاجة البشر إلى أنبياء لهدايتهم وإصلاحهم أشد من حاجتهم إلى أمور كثيرة لم تهملها العناية الإلهية؛ فسبحانه قد خلقهم في أحسن تقويم، وسخر لهم الكون بنظامه الدقيق، ووضع لهم العوامل كافة، التي تُهيئ لهم الحياة المستقرة وسبلها .. فهل يعقل أن يودعهم على ظهر الأرض من غير أن يزودهم بروشتة الإصلاح و النجاة والهداية؟
ومن تمام رحمته سبحانه أنه وضع للبشر تشريعًا ينظم علاقاتهم بربهم الذي خلقهم وينظم علاقاتهم ببعضهم في جميع نواحي الحياة، وهذا لا يتم إلا عن طريق الرسل فهذه مهمتهم ؛ لذا فإن حاجة البشر إلى الرسل و الأنبياء ضرورية ليهدوهم سُبل الرشاد؛ نظرا لقصور العقل والحواس؛ فعلى الرغم من أن العقل من أهم أسباب المعرفة، فإنه لا يكفي وحده ليكون فيصلاً في التفريق الكامل الصحيح بين الخير والشر، والحسن والقبيح لأسباب كثيرة منها:
محدودية العقل وزيغانه وفساد الفطرة، ومحدودية الحواس وتعرضها للخطأ، وهذا أمر طبيعي في البشر ، لأننا نرى في كثير من الأمور يصعب علي العقل إدراكها؛ فيدخل في الظن والتخمين، ثم يزداد معرفة يومًا بعد يوم عن طريق التجارب؟
ولو كان كاملاً غير محدود لعرف وجه الحق فوراً في كل ما يعرض له.. كما أن هناك تفاوتًا في العقول ودرجة إدراكها وحكمها على الأشياء، بل ربما يغير العقل حكمه على الشيء الواحد بين مرة أخرى.
كما أن محدودية الحواس وعرضتها للخطأ تجعل البشر في حاجة لمن يرشدهم، فالعين مثلاً لا تبصر بعض الموجودات كالمغناطيس والأشعة غير المرئية، والأذن لا تسمع الأصوات الخفيفة كحركة النملة، ولا البعيدة أيضًا، بل يصعق الإنسان بالأًصوات الهائلة.
– كما أن زيغان العقل وفساد الفطرة من أهم العوامل التي تستدعي ضرورة بعث الأنبياء للبشر.
فالعقل السليم وحده كافٍ في الاستدلال على وجود الخالق ومعرفة بعض صفاته؛ ففي كل شيء له آية تدل على أنه واحد. والفطرة الصافية التي فطر الله الناس عليها تميز بين الطيب والخبيث؛ غير أن العقل يعتريه الضلال، والفطرة يعتريها الانحراف، وربما الفساد، بتأثير عوامل متنوعة، منها غلبة الأهواء ، وتأثير المجتمعات وتقليد الأسلاف، وربما لا يشعر الإنسان بذلك، فإنه مفطور على الغفلة والسهو، والتأثير والسرعة في الحكم على الأشياء ؛؛ لذلك يصبح الإنسان بحاجة ماسة إلى من يذكره ويعلمه ويصحح زيغ عقله وفساد فطرته؛ وبعثة الأنبياء ضرورة لإمداده بذلك،
** كما أن البشرية في حاجة لمن يُفهّمها ويعرفها بالأمور الغيبية .. فهناك أمور غيبية عظيمة وكثيرة نحن قادمون عليها لا محالة،
ولا يمكن للإنسان أن يصل إلى معرفة كثيرة منها بمجرد عقله وحواسه، كالبعث بعد الموت، والحشر والحساب والجنة أو النار؛ لأن الحواس لا تدرك إلى عالم الواقع ، أما عالم الغيب وهو أعظم وأرحب فلا سبيل لها إليه، ولا سبيل إلى معرفته بصورة كافية إلا عن طريق الأنبياء،
– كما أن إنزال الشرائع السماوية ضرورة اجتماعية؛
لأن الإنسان اجتماعي بطبعه، يحتاج إلى بني جنسه، وهذا مما يفضي إلى التنازع، فلابد من قواعد وضوابط تنظيم حياة الناس ويلتزمون بها، والإدراك بالحواس والعقل ووضع القوانين لا يحمل الإنسان على الاتصاف بالفضائل والبعد عن الرذائل بصورة كافية، فلابد من شريعة سماوية تتناول شتى نواح الحياة، تحفظ للناس مصالحهم وتصون حقوقه وتنظم علاقاتهم على أسس من العدل ومكارم الأخلاق، تخاطب عقولهم وقلوبهم.
** و بالفعل قد أرسل الله الرسل وأنزل عليهم الكتب ليقوّموا انحراف العقول، ويصححوا فساد الفطرة، ويرشدوا الناس إلى الحق، وينظموا أوضاع الناس وعلاقاتهم، ويعلموهم الطريقة المثلى لعبادة الله وغير ذلك. قال تعالى:
( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ )أي بالعدل – سورة الحديد : 25
وعلينا أن ننتبه إلى أنه لا تعارض مطلقًا بين العقل السليم والفطرة الصافية وبين ما يوحى به الله إلى الأنبياء من عبادة وتشريع ، فالأنبياء لا تأتي بما تحيله العقول، لكن من يضمن لنا سلامة العقول وصفاء الفطرة ولو نسبيًّا ؟
و علينا أن ننتبه إلى وحدة الأنبياء في الدعوة والهدف؛ فالأنبياء جميعًا يدعون إلى إله واحد و أصول واحدة وقواعد مشتركة، لا تختلف في حقيقتها وجوهرها، ويبنون أحكامهم على أسس متناسقة بوحي من الله سبحانه، قال تعالى:
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ) – سورة الأنبياء، آية رقم: 25.
وقد استهدفت جميع الشرائع في عبادتها وتشريع أحكامها ما يحقق مصالح الناس في الدنيا، ويهيئهم للفوز بسعادة الآخرة،
غير أن تفاصيل الأحكام تختلف عن أمة إلى أمة تبعاً لاختلاف الزمان وأحوال الناس واستعدادهم وما يحيط بهم من عوامل وظروف. قال تعالى: ( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير )- سورة فاطر، آية رقم: 24.
وكانت رسالة الأنبياء جميعًا بمثابة المقدمة أو التمهيد لخاتم الأنبياء محمد- صل الله عليه وسلم –
قال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) – سورة سبأ، آية رقم: 28.
ومن أجل أهمية شهادة القرآن الصادقة – فقد كانت معظم نصوص العقيدة في القرآن بكلمة (قُل) التلقينية، {قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ} {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}. {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّـهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} – سورة البقرة، آية رقم: 136.
** ولقد حدثنا القرآن -الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- أن الرسل أجمعين جاءوا بعقيدة التوحيد الخالصة، ولقد سجل القرآن الكريم إنحراف العقل البشري وفساد الفطرة واتباع الأهواء ،، وبين كيف بدل اليهود والنصارى هذه العقيدة.
قال الحق الحكيم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّـهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّـهِ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّـهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ}. – سورة التوبة، آية رقم: 30.
ولو فتحنا الكتاب المقدس لوجدناه حافلاً بهذه المفاهيم الوثنية ….. !!!
ففي الإصحاح الثالث: (فنادى الرب الإله آدم، وقال له أين أنت؟) !!!! سبحانك يا رب وتعاليت عما يقولون !! .إنه سبحانه لا يعرف أين آدم !! فمن هذا الإله؟! أوليس يعلم السر وأخفى كما حدثنا القرآن؟
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } – سورة المجادلة: 7 –
وا اسفاه .. لقد حدث الشقاء الذي نعانيه وتعانيه البشرية كلها اليوم …. بسبب التحريف والتغيير في الكتب السماوية وفي العقيدة الربانية الهادية للصلاح والفلاح !! .. لقد أدخل رجال الدين اليهودي والنصراني كلامًا من عند أنفسهم، وهذا ما صرح به القرآن الكريم.
قال الله تعالى: { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِندِ اللَّـهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا، فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ } – سورة البقرة، آية رقم: 79.
وويلٌ للبشرية من الشرود عن منهج الله المستقيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــم.