بقلم د/ محمد بركات
من علماء الأوقاف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: فإنه من الخزي والعار أن تجد للباطل أعواناً من يلهثون وراء كل انتكاسة للفطرة، ضد الحسن وأرباب لكل قبيح يتزينون بدعاوي الحرية والتحضر والتمدن وهم في الحقيقة بعيدين كل البعد عن كل ما هو حضاري وجميل.
فما فطرنا الله إلا علي جمال الأخلاق والأفعال والصفات ،فإذ بهم لا يرضون إلا منكر القول وفاحش الأفعال والأخلاق، يكتسبون اللعن من الخلق قبل الخالق يركضون وراء حب الظهور والشهرة فيما يعرف بلغة اليوم محط الأنظار (الترند trend ) ومعناه : اِتّجاه، توجُّه، تَيّار، جِهَة، رَغبَة، مَجرَى، مَذهَب، مَسَار، مَسَاق، مَشرَب، مَنحىً، مَنزَع، مُوضة، مَيل، نَزعَة، نُزُوع، وُجهَة، للأسف أعوذنا زماننا لكل من يريد الشهرة دون ما وعي أم عقل!
بعض الأقلام للمنهزمين فكريا وثقافياً يدافعون عن أفعال مشينة وأخلاق عديمة ووجه الإستفادة في الحقيقة شهرة محرمة وإشادة لهم من منظمات مشبوهة، وما تجد عاقلاً يدافع عن فعل شاذ إلا إذا كان عقله لا يقل شواذا عمن يدافع عنه، فالمثلية الجنسية، أو الشذوذ الجنسي، أي العلاقة الجنسية بين شخصين من نفس النوع الجنسي لهو انتكاس حقيقي في الفطرة الإنسانية السليمة، يقول الله تعالى: “فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ” سورة النمل الآية: 56″
جاء في تفسير الإمام ابن كثير رحمه الله: أي : يتحرجون من فعل ما تفعلونه ، ومن إقراركم على صنيعكم ، فأخرجوهم من بين أظهركم فإنهم لا يصلحون لمجاورتكم في بلادكم . فعزموا على ذلك ، فدمر الله عليهم وللكافرين أمثالها .
وجاء في الوسيط لطنطاوي :{ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ{،ثم حكى القرآن بعد ذلك جوابهم السيىء على نبيهم فقال : ( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قالوا أخرجوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ { والفاء للتفريع ، والاستثناء مفرغ من أعم الأشياء K أى : هكذا نصح لوط قومه وزجرهم ، فما كان جوابهم شيءا من الأشياء سوى قول بعضهم لبعض أخرجوا لوطا والمؤمنين من قريتكم التى يساكنوكم فيها .
وفى التعبير بقولهم : ( مِّن قَرْيَتِكُمْ ) إشارة إلى غرورهم وتكبرهم فكأنهم يعتبرون لوطا وأهله المؤمنين دخلاء عليهم ، ولا مكان لهم بين هؤلاء المجرمين لأن القرية – وهى سدوم – هى قريتهم وحدهم ، دون لوط وأهله .
وقوله – تعالى – حكاية عنهم : ( إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) تعليل للإخراج ، وبيان لسببه ، أى أخرجوهم من قريتكم لأنهم أناس يتنزهون عن الفعل الذى نفعله ، وينفرون من الشهوة التى نشتهيها وهى إتيان الرجال . .
وما أعجب العقول عندما تنتكس ، والنفوس عندما ترتكس ، إنها تأبى أن يبقى معها الأطهار ، بل تحرض على طردهم ، ليبقى معها الممسوخون والمنحرفون الذين انحطت طباعهم ، وزين لهم الشيطان سوء أعمالهم فرأوه حسنا .
ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال : وقولهم : ( إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) سخرية بهم وبتطهرهم من الفواحش ، وافتخارا بما كانوا فيه من القذارة ، كما يقول الفسقة لبعض الصلحاء إذا وعظهم : أبعدوا عنا هذا المتقشف وأريحونا من هذا المتزهد ، فأقول للداعين إلي انفلات أخلاقي غير واعين مدركين لحدوده: قال لهم: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ {سورة هود ، الآية: 89
فهؤلاء قد سيطرت عليهم هذه الفاحشة واستملكت عقولهم حتّى أنّهم كانوا يقفون في الطرقات ويتصّيدون الرجال المارين في قراهم، وكانوا يجاهرون بذلك الفعل وشيّدوا له الأندية وكانوا يمارسونه بصورة جماعية، ونصحهم النبي لوط وبيّن لهم خطورة فعلهم ولكنّهم أبوا النصيحة واستمروا حتّى أهلكهم الله تعالى ودمّر قراهم.)أحمد أحمد غلوش، كتاب دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 148-147( ، فعمل قوم لوط كان فعل الفاحشة في الدبر واستغناء بالرجال عن النساء.
وجاء في بصائر ذوي التمييز أنّ النساء استغنت بالنساء أيضًا، وغير ذلك من الأفعال الشائنة بلا حياء أو خجل، أي أخلاق هذه التي تنادون بها؟! إنها ثقافة الإنحطاط والعودة إلى اللأخلاق.
إن الإنسان يتقدم بصلاح أعماله وقوة وتحضر وحضارة أخلاقه، وإلا فالبلاء يتعدد بتعدد السفاهات والترهات ومنكر وفحش الأقوال والأعمال.. هدانا الله وإياكم إلي صراطه المستقيم.