متابعة – عبد العزيز اغرار :
عرفت النسخة 79 من ليالي الوصال الرقمية التي نظمتها مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال مشاركة الدكتور منير القادري، رئيس مؤسسة الملتقى ومدير المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام ، بمداخلة حول موضوع “الخطاب الصوفي نشر لقيم التسامح ونبذ لخطاب الكراهية وارساء لدعائم الامن الفكري والاجتماعي”.
أبرز القادري في مستهل كلمته أهمية الأمن الفكري والأمن الإجتماعي في تحقيق الإستقرار المعرفي واستيعاب الاختلاف و التنوع لدى أي مجتمع ،
مؤكدا أثرهما البالغ لدرأ الفوضى والدمار ، وقدم مثال ظاهرة خطاب كراهية الاسلام وما يعرف بالاسلامفوبيا في الغرب، التي فضحتها جريمة الإساءة للرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتبني عموم أوروبا لها بذريعة تقديمها لحرية الرأي و التعبير.
وبين رئيس مؤسسة الملتقى أن المجابهة المطلوبة والمقاربة العلمية الناضجة وجب عليها ان تسعى لمحاصرة مثل هذه الظواهر وتطويقها، من خلال صياغة ردود لتعرية مخلفات العولمة الاستهلاكية المتوحشة والغزو الفكري للشعوب بالأفكار الهدامة كالاسلامفوبيا ودورهما البشع في صناعة عقدة الخوف من إنتشار الإسلام ومحاولة كبحه بإنتاج خطاب الكراهية في الغرب خصوصا والعالم عموما، داعيا الى “العمل على وضع حد لهذه الحملات المفضية لصراع الحضارات كما يبشر بها اربابها كصموئيل هنتنغتون ونظرائه، لتعريف الغرب بعظمة الرسول الأكرم والرسالة المحمدية و محاربة هذا الخطاب المعادي لكل إصلاح بصفة عامة، خطاب يزرع الفرقة بين الأديان، والتنافر بين الشعوب، والصدام بين ثقافات الأمم “.
وأشار الى أن الدين الاسلامي دين حياة ونماء وازدهار ، يحرص على إستقرار المجتمعات ووقايتها من الفتن التي تقضي عليها او تظهر التنازع بين ابنائها ، مشيرا الى تميز الاسلام بالآداب والاخلاق والتعليمات التي تقضي على ذلك الخطاب الكراهية في مهده، وتمنعه من التمدد والانتشار في المجتمع .
ونبه الى أن خطاب الكراهية والتعصب الذي يثير التحريض والفتنة والعنف والعصبية والتمييز بين الافراد والجماعات هو خطاب لا مصلحة فيه ، ولا نفع يرجى منه ولا مستقر له الا في صدور ذوي القلوب المريضة و النفوس الخبيثة ،
مستدلا بقوله تعالى في سورة الإسراء ” وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ “، موضحا ان خطابا اريد له ان يحظى بالقبول عند الناس والاثر البالغ في ايصال الغاية النبيلة اليهم، عليه ان يكون مبنيا على الاشفاق بالناس وعدم الاسفاف بهم والحرص على إيصال المنفعة اليهم لا الاضرار بهم وإحاطته بالرحمة لهم وعدم القسوة عليهم.
وتابع الدكتور المحاضر أن “الرحمة والرأفة والحرص على الناس صفات لا تجتمع في قوم يحمل لسانهم خطاب الكراهية لأنه خطاب يحجز اصحابه في نطاق ضيق، لا يرون فيه غيرهم فلا مقام عندهم لحسن ظن ولا لسعة خلاف ، قوم غاب عنهم ان الله يعطي بالرفق ما لا يعطي بالعنف”، موردا قول الله تعالى لنبيه في سورة ال عمران ” بِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ” ، وأوضح أن خطابات رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت كلها رحمة ورعاية وسعي للخير ، مستدلا بقوله تعالى ” لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ “.
وشدد مدير المركز الاورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم على أن الإسلام هو دين عالمي يتجه بتعاليمه الى البشرية كلها، مبينا أن تلك التعاليم تأمر بالعدل والسماحة وتنهى عن الظلم والعنف والكراهية وترسي دعائم السلم والسلام في الارض وتدعو الى التعايش الايجابي بين البشر جميعا في جو من الإخاء الانساني والتسامح بين كل الناس بصرف النظر عن اجناسهم والوانهم ومعتقداتهم واوطانهم
، وأشار الى أن الجميع ينحدرون من نفس واحدة، مستشهدا بقوله تبارك وتعالى ” يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ “.
وأكد أن دين الإسلام يعترف بوجود الاخر المخالف فردا كان او جماعة ويعترف بوجهة نظره في الاعتقاد والتصور والممارسة ، وذكر ما روي عن علي بن الحسين عن ابيه عن جده رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أصنع المعروف في اهله وفي غير اهله، فإن أصبت اهله فهو أهله، وأن لم تصب أهله فأنت أهله”،
مضيفا أن الإنسانية التي عمتها الكراهية والاحقاد والخلافات على سراب زائل وظل حائل، في حاجة الى التحرر من الطاقات السلبية التي لا تفضي الا الى التدمير والتخريب.
ودعا الى “إستثمار الطاقات الإيجابية للإنسان في استبصار الحق حقا والباطل باطلا والعودة الى حقيقة الانسان النورانية المنطوية فيه، المفعمة بالمحبة التي تفيض مواجيدها فتنعكس على سلوكه، فيصير متخلقا بأخلاق ربه الذي نصبه للخلافة متحققا بصفاته بقدر الطاقة البشرية، فيتخلق باسمه تعالى الرحمن فيكون رحمة تمشي بين الخلق ويتخلق باسمه السلام فيكون لمجتمعه أداة سلم وامان ومصدر سلامة واطمئنان، ويجتهد في تطهير نفسه والعمل على ترقيتها وتزكيتها وتهذيبها حتى تسلم جوارحه من الإعتداء والآثام وقلبه من الخواطر والاوهام ، ويتخلق باسمه تعالى الواسع فيتسع قلبه لجميع الخلائق بارهم وفاجرهم حتى يصير ذلك الإنسان
الكوني الذي يمثل الإنسانية في أسمى صورها انسان الفطرة النقية الناصعة “، موردا قول الجنيد البغدادي “لا يكون العارف عارفا حتى يكون كالأرض يطأه البر والفاجر وكالسحاب يظل كل شيء وكالمطر يسقي كل شيء ما ينبت وما لا ينبت”.
وأشار الى مساهمة الطابع الإنساني والعالمي للتصوف “مقام الاحسان”، وخطابه الوسطي المعتدل في دخول الناس في دين الإسلام أفواجا،
موضحا تأثير تراث الرومي وأبن عربي ومالك بن دينار وغبرهم من علماء التصوف في إنتشار الإسلام في ربوع الارض،
وأكد أن الصوفية يفتحون القلوب والارواح قبل فتحهم للبلدان، موردا قول الصوفية المشهور “لا تكره يهوديا ولا نصرانيا ، فاكره نفسك التي بين جنبك، فإن اطاعتك اطاعك الكون كله”، وسلط الضوء على إهتمام الصوفية بالجهاد الاكبر” جهاد النفس”، مستدلا بالحديث الشريف “رجعنا من الجهاد الاصغر الى الجهاد الاكبر، قيل يا رسول الله وما الجهاد الاكبر؟ قال: جهاد النفس”.
وأوضح أن منهج التصوف يرتكز على أن يجاهد الانسان عيوبه ويتحلى بالأخلاق المحمدية عن طريق ذكر الله ومجالسة الصالحين وتلاوة القاران والصلاة على النبي، من اجل تنقية القلب من الادران وتزكية النفس من العجب والحقد وحتى يكون الإنسان المسلم مصدرا للسلم والسلام محبا للخير للجميع، مضيفا أن “التصوف يتوجه للانسان باعتباره غاية في نفسه ينبغي ان يطور من إستراتيجياته الخطابية ويخاطب الناس على قدر عقولهم واستعداداتهم ويفكر في السبل التي تخرجه من حيز الضيق المقصور على أهله الى آفاق أرحب واعم، ويسعى الى تأسيس خطاب كوني قار على مخاطبة الجانب الروحي في الانسانية جمعاء، لان هذا البعد الروحي هو خصوصية من خصوصيات الاسلام الاحسانية والتزكوية.
وأردف أن خطاب التصوف هو خطاب التسامح الذي يزيل سرطان الكراهية ، وأنه يشكل دعوة صريحة الى نبذ التعصب والعنف الذي يعمي العقول قبل العيون ويولد المشاعر السلبية إتجاه أبناء البشرية عموما وينتهي الى نبذ الأخر ولو كان من نفس العرق او الدين ، موضحا أن التصوف منظومة اخلاقية وسلوكية تدافع عن مستقبل البشرية جمعاء وعن مستقبل الأجيال المقبلة .
وختم القادري مداخلته بالتأكيد على أن “التصوف المغربي السني يشكل رافدا للمحبة والاخوة الانسانية ودعامة لتجاوز الخلافات بين الشعوب وتأسيس لأشكال من التعاون الاقتصادي وتبادل الخبرات وزرع بذور الأمل والأمن والأمان والسلم والسلام في النفوس وفق نظرة شمولية سديدة والرعاية مولوية الملك محمد السادس، التي أتسمت كل قراراته اتجاه رعاياه بالعطف الابوي وفي اتجاه دول الجوار بالحكمة وبعد النظر وتغليب مبدأ رابح رابح ، سياسة رشيدة هدفها الدائم إشاعة روح التعاون وجمع شمل الأمم على قيم الإحترام المتبادل والتعايش والسلام ، مترفعا عن سفاسف الأمور قاصدا جلالته في كل حركاته ومبادراته خير الوطن والصالح العام للإنسان، ومد جسور المحبة والوئام لسائر البلدان، مما يدل على ان المغرب قلعة التسامح ونبذ خطاب الكراهية والعنف ” .