بقلم: أ.د/. على شحاتة
الاستاذ بجامعة الأزهر الشريف
عند تأمل حكاية النحل في القرآن الكريم، ووحي الله إليه، توقفت عند معنى الخطاب الرباني لهذا المخلوق العجيب، المنتج لألذ وأنفع ما يمكن أن يتناوله البشر في الدنيا، هذا العسل المصفى، حلو المذاق، طيب اللون والرائحة، الذي جعل الله فيه شفاء للناس.
ثم قلت: إن الله تعالى لما هيئ للنحلة سبل حياتها وعيشها، ووفر لها ما تؤدي به مهمتها، كانت النتيجة أنها أدت وظيفتها على الوجه الأكمل، فسعت وتحركت وعملت بجد ونشاط، ثم أنتجت الخير الذي عم الجميع، وهذه هي الآيات البينات:{وأوْحى رَبُّكَ إلى النَّحْلِ أنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبالِ بُيُوتًا ومِنَ الشَّجَرِ ومِمّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَراتِ فاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِن بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ ألْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ إنَّ في ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} النحل: ٦٨، ٦٩.
وموطن العبرة هنا؛ أن الله تعالى حين يهيئ للإنسان مكانا مناسبا يأوي إليه، وباب رزق حلال يكتسب منه ما يكفيه، ومحيطا اجتماعيا مناسبا يعيش فيه آمنا مطمئنا، فإن عليه مسؤولية كبيرة، فكما أحسن الله إليه؛ فرزقه وأعطاها وآواه، فإن عليه أن يحسن إلى الناس ويساعدهم، وعليه القيام بحق هذه النعم، بأن يسهم في رفع المعاناة عمن حرم منها، وليكن لعباد الله نصيبٌ مما أسداه الله إليه من نعم.
وفي هذا المعنى يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ تَطْلُعُ فيه الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، ويُعِينُ الرَّجُلَ علَى دابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عليها، أوْ يَرْفَعُ عليها مَتاعَهُ صَدَقَةٌ، والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، ويُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ” اخرجه البخاري.
فالنعم لها ضريبة ينبغي أن تُؤدى، وأداؤها للناس من حق شكر الله عليها، وأداؤها للناس يديمها ويزيدها، ففي الحديث، قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: “أنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ…” متفق عليه، فحين قسم الله الأرزاق فاضل بين الناس فيها؛ فجعل في مال الأغنياء حقوقا للفقراء، وهو ابتلاء للجميع، لينظر كيف تعملون؟ والتفاوت إلى جانب أنه ابتلاء، فهو أيضا لصلاح الحياة واستقامتها؛ حتى يتكامل الخلق ويتعاونوا فيما يصلحهم ، قال الله تعالى: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ الزخرف:32.
وفي كل الأحوال فإن الإنسان إذا أدى هذه الحقوق، وتعامل مع النعم وفق ما أراد مانحها سبحانه، فإنه سيكون أهلا لمزيد من العطاء لنفسه ولغيره. نسأل الله تعالى أن يهدينا للخير ويوفقنا لمرضاته، إنه سميع قريب مجيب الدعاء والحمد لله رب العالمين.