عبد العزيز اغراز – المغرب
تناول الدكتور منير القادري موضوع “التربية على القيم والمقاصد الاحسانية وأثرها في المحافظة على مقومات الحياة والبيئة”، في مداخلته مساء السبت السادس من الشهر الجاري، في الليلة الرقمية السابعة والسبعين ضمن فعاليات ليالي الوصال الرقمية التي تنظمها مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال.
أشار في بدايتها الى أن انعقاد مؤتمر المناخ “كوب 26” يشكل حسب الخبراء والنشطاء في مجال المحافظة على البيئة فرصة “اللحظات الأخيرة” قبل أن نشهد لا قدر الله حدوث ضرر بيئي كارثي يؤثر بشكل لا رجعة فيه في مستقبل الحياة البشرية على كوكب الأرض.
وأوضح أن التلوث البيئي والاحتباس الحراري، و التصحر وغيرها من المشاكل المرتبطة بالبيئة غَدت تهدد مستقبل البشرية، مضيفا أن ذلك يفرض علينا الرجوع إلى تطبيق القيم الأخلاقية وتجسيدها في صور مبادئ تهدف إلى تعزيز التعاون والتضامن بين الأفراد والمجتمعات من أجل احترام البيئة والحفاظ عليها، وزاد أن البيئة من صنع الله عز وجل الذي أتقن صنع كل شيء، وأنه أودع فيها من الحكمة ما أودع، مستشهدا بقوله تعالى: { صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِىٓ أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ } (سورة النمل( (الآية88).
واستطرد أن الإنسان جزء من هذه البيئة، لأن الله خلقه من طين الأرض، وهيأها له لتكون صالحة لحياته و مَعاذِهِ، وجعل له فيها المنافع والخيرات، مستدلا بقوله تعالى: (هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا)، وأنه عز وجل حذره بالمقابل من الإضرار بها وإفسادها، موردا قوله: (وَلَا تُفْسِدُواْ فِى ٱلْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَٰحِهَا).
وأكد أن الأبعاد الأخلاقية للمسألة البيئية تقوم على تسليط الضوء على قيم الأمانة و المشاركة، وتجنب الضرر و الإسراف وتقاسم الوصول إلى الموارد الطبيعية والحيوية مع كافة العناصر البشرية الأخرى، مع الحرص على ترك كوكب الأرض مكاناً صالحاً للعيش وقابلا للحياة من أجل الأجيال القادمة.
وتابع موضحا أن أهمية هذا المفهوم تتمثل في اعتبار خيرات الطبيعة موارد ينبغي استخدامها في إطار أخلاقي، مضيفا أن الدين الإسلامي يتميز بالوسطية و الاعتدال والاستخدام المُتَعَقِلِّ للموارد إِسْوَةٌ برسول الله سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، موردا في هذا الصدد مجموعة من الأحاديث النبوية.
و زاد أن الاعتدال في الانتفاع من خصائص السلوك الاسلامي، وأن المقصد منه هو حفظ توازن النوع الانساني والبيئي، فلا ينتفع الانسان بالبيئة إلا بالقدر الذي يحفظ استمرار النوع وإعمار الكون ولا يتسبب في تدمير البيئة والاخلال بالتوازن البيئي.
وأوضح أن الإسلام في تعاطيه مع المسألة البيئية والمحافظة عليها ينطلق من بناء الانسان الفرد وتربيته على المحافظة على ما استخلف فيه وما أوتمن عليه، مستدلا بقوله تعالى:﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾[ سورة الأنعام: 165].
وتابع شارحا أن الله عز وجل جعل الإنسان خليفة في الأرض، وأنه مسؤول عن كيفية استثماره لخيراتها والمحافظة عليها، منبها إلى أنه ليس مالكاً لها ومع ذلك يسيء التصرف فيها إرضاء لنزواته، وشدد على أن الانسان مطالب بالتصرف فيها تصرف الُمؤْتَمَنِ عليها بأسلوب رشيد يكفل المحافظة عليها.
وأضاف أن المحافظة على بيئة نظيفة من دون ثلوث و تخريب هو مقياس لرقي الأمم وتقدمها، وأنه دليل على سمو حضارتها وقيمها، ليخلص الى أن نظافة الأوطان على مدى الأزمان تَرْقَى بها وتعلو مكانة الإنسان.
ونوه الى أن الإسلام يربى أبنائه على عدم الاسراف في كل شيء، وفي كل تفاصيل حياتهم اليومية، وأنه جعله منهج حياة لهم، مستشهدا بقوله تعالى :«وٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا » الفرقان:67، كما أورد أمثلة عملية على ذلك.
وأشار الى أن علماء الإسلام استنبطوا مجموعة من القواعد الفقهية العامة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والتي لها أثر إيجابي في حل المشاكل المرتبطة بالمحافظة على البيئة، كقاعدة الضرر يُزال وغيرها من القواعد.
و أكد أن العبرة ليست في مجرد الاعتراف بقيم عليا ومفاهيم نظرية كلية؛ وإنما العبرة بتقديم رؤية متكاملة ومتضافرة لقيم صالحة للتنزيل على أرض الواقع، تمكن الإنسان من تمثلها وتنزيلها على ظروفه المختلفة.
وشدد على أن المحافظة على بيئة سليمة وصحية تقتضي أن ننطلق من الإنسان أولا، ووضعه في مقدمة الأولويات، و تأهيله وبنائه على عدّة مستويات، بما في ذلك التأهيل الروحي والقيمي والأخلاقي، مستنتجا أن تربية الافراد على القيم والأخلاق هي التي تمكنهم من التعامل مع البيئة بشكل سليم.
وأوضح أن القيم البيئية هي مجموعة من السلوكيات الاخلاقية الفاضلة الخاصة بالمنهج الاخلاقي الذي يرسم للمجتمع ككل معالم النظام القيمي للتعامل مع البيئة، مبينا أهمية تعلم هذه القيم وتأصيلها، حتى تأخذ صفة الوجوب في دائرة الاحكام التربوية الاجتماعية و البيئية للناشئة، وأبرز مجموعة من الفوائد المترتبة عن ذلك، منها أنها تساعد الفرد في التكيف مع محيطه الاجتماعي والتفاعل مع قضاياها ومن أهمها القضايا البيئية، إضافة الى رصد حركة التنمية الوطنية الشاملة، لأن الوعي البيئي لدى المواطنين يثري عملية التنمية في مشاريعها المختلفة ويشجعهم على انتاج واستهلاك سلع ذات مواصفات بيئية علمية، الى غير ذلك من الفوائد التي ذكرها المتدخل.
واختتم مداخلته بالتأكيد على أن “بناء أية منظومة أخلاقية في أيّ مجتمع يقتضي البدء أولاً بإقامة نوع من «السِّلم الداخلي» بين الفرد وبين نفسه، يجعله يشعر بانسجام مع ذاته ومع محيطه الإنساني والطبيعي ومع تطلعاته الروحية كذلك، تم بعدها العمل على تثبيت دعائم السلم الاجتماعي للمجتمع ككل وصولا إلى نسج علاقات مع محيطه الوطني الإقليمي والدولي وإقامة جسور من الحوار المتكافئ بقصد التفاهم و حسن الجوار، ومد جسور من السماحة والتعايش بقصد التساكن ونبذ الفرقة والخلاف والعنف والكراهية والتعصب والصدام كل ذلك من أجل بناء مستقبل واحد على كوكبنا الأرض”، مشيرا الى أن “المسيرة الخضراء التي نخلد ذكراها هذه الأيام والتي قام بها المغرب لاسترجاع اقاليمه الصحراوية تمثل نموذجا حضاريا راقيا في العلاقات بين الدول، فما أحوج العالم إلى بناء علاقات تسودها القيم الانسانية والاحترام لتحقيق سعادة الشعوب بعيدا عن كل عنف وتصادم ونشر قيم المحبة وحسن الجوار والسلم والأمن والأمان”.