بقلم: أ.د/ مصطفى النجار
فاح عبيرعبقريته مديرا يتهافت عليه ذوى المال والأعمال، بما توافر له من الكمالات والسمات، أمانة لا يعتريها غش ولا تساورها خيانة، وصدق ثابت أصيل لا يلوثه كذب ولا يبدله نفاق ولا تنحرف به مصلحة، ومهارة تسويق وشراء زادتها بسماته النورانية بريقا وإشراقا، وصقلها خلق عظيم يشد المتعاملين بائعين ومشترين على حد سواء، يدورون حوله دوران فراشات الربيع حول الضياء، فمن لا يريد الشراء ولا البيع يشترى منه ويبيع، ومن يريد الشراء يستزيد ويعود، إنه الروح الآسرة، والسراج المنير، سيدنا وتاج رؤوسنا محمد صلوات الله عليه، حين خرج إلى الشام فى مال خديجة، و” كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه، فعرضت عليه أن يخرج لها فى مال تاجرا إلى الشام فقبل، وباع سلعته التى خرج بها، واشترى ما أراد أن يشترى، فلما قدم مكة على خديجة بمالها باعت ما جاء به فأضعف أو قريبا ” (سيرة بن كثير).
إن أصحاب المال كانوا وما زالوا لا يروق لهم إبداء رغبتهم فى التحاق أحد العاملين بهم، ومن النادر أن يعرضوا على أحد أن يعمل لديهم، كحفظ لمنزلتهم فهم أصحاب اليد العليا والمال والثراء، إلا أن يكون مديرا فذا متميزا فريدا، يدركون أن أموالهم فى يدية تمطرهم سيلا من الأرباح منهمر، ذاك أول ما جعل خديجة تطلب من النبى أن يخرج مديرا لتجارتها، فهو الكفاءة الإدارية التى يسعى أصحاب الأعمال إليها، وحين تقترن كفاءته بعظم الأمانة والصدق وحسن الخلق، ذاك المدير العبقرى الفريد، الذى يتحول التراب لذهب بين يديه، وتتدفق الأرباح وتتضاعف الثروات وتثمر بمهارته وكفاءته وعظيم أمانته وخلقه، وما كان لخديجة سيدة الأعمال الثرية الرشيدة أن تطمئن على أموالها بيد محمد لمجرد أمانته وخلقة فحسب، بل لأنه أضاف لذلك حسن الإدارة و قوة الكفاءة والمهارة ” إن خير من استأجرت القوى الأمين” (القصص – 26) .
وتمكن المدير العبقرى من تسويق كل ما لدية بالشام ليدور رأس المال دورته الأولى ويعود مضافا إليه العائد والأرباح، ليشترى من بضائع الشام ما يلبى ويشبع حاجات المجتمع والمستهلكين بمكة، إنه يدرك حاجات البيئة التسويقية التى يعمل بها تمام الإدراك، والتى كانت محددا لما يشتريه فى رحلة العودة وما لا يشتريه، ليبيع ما اشتراه بمكة، وليدور رأس المال والأرباح المكتسبة فى الشام دورة ثانية بمكة، ليتضاعف مال خديجة على يديه الطاهرة وفى ظل إدارته الرشيدة، وانبهرت خديجة بهذا النموذج الإنسانى الفريد الذى بلغ من العبقرية الإدارية قمتها ومن العفة عن مال الغير والأمانة مبلغا متفردا، ” إنها امرأة عريقة النسب ممدودة الثروة، وقد عرفت بالحزم والعقل، ومثلها مطمح لسادة قريش، لولا أن السيدة كانت تحقر فى كثير من الرجال أنهم طلاب مال لا طلاب نفوس، وأن أبصارهم ترنوا إليها بغية الإفادة من ثرائها وإن كان الزواج عنوان هذا الطمع، لكنها عندما عرفت محمد وجدت ضربا آخر من الرجال، وجدت رجلا لا تستهويه ولا تدنيه حاجة، ولعلها عندما حاسبت غيره فى تجارتها وجدت الشح والاحتيال، أما محمد فقد رأت رجلا تقف كرامته الفارعة موقف النبل والتجاوز، فما تطلع إلى مالها ولا إلى جمالها، لقد أدى ما عليه ثم انصرف راضيا مرضيا” (فقه السيرة للغزالى) فحدثت صديقتها عنه معجبة، فلمست صديقتها منها رغبة فيه، وهى الثرية التى تنافس على خطبتها سادة قريش من ذوى المال والمكانة فرغبت عنهم، وفاتحت النبى فى خطبتها وكان الزواج.
إن الشركات والمؤسسات فى مصر العالم العربى والإسلامى ليست فى حاجة لمدير ينافق الملاك ليرموا له مكافأة مالية حرام، استحلها بظلم العاملين، ولا لمدير يداهن العاملين بغضا للملاك، فلا يقوم معوجا ولا يحاسب مخطأ ولا يكترث بعمل وجودة وإنتاج، وكذلك شركاتنا أزهد ما يكون فى مدير لا يمتلك من كفاءة الإدارة شىء، ولا من مهارة القيادة وحسن الإدراك لواجباته نصيب، نحن بحاجة ماسة لمديرين يتمثلوا محمدا صلى الله عليه يلتمسوه قدوة، ويتخذوا من قيمه الإدارية والخلقية نبراسا، نحتاج فى شركاتنا مسؤولين على نحو عظيم من الكفاءة الإدارية والمهارة الممتزجة بعظم الأمانة وحسن الخلق، تتساوى عندهم قدسية محراب العمل والإنتاج بمحراب الصلاة والتسبيح، وتملأ مراقبة الخالق عليهم نفوسهم وقلوبهم، يخشونه بالغيب فى أعمالهم وموظفيهم “إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير” (الملك- 12) فيعدلون ويصدقون ويحسنون وينتجون، فلا ظلم ولا نفاق ولا محسوبية ولا كذب ولا وشاية ولا صراعات تضيع الجهود وتهدر الطاقات، ليربح الجميع موظفين ومديرين وملاك وشركات.. حفظ الله مصر.