متابعة :بسملة سمير شهاب
مسقط، خاص:
مع التوجهات الجديدة للحكومة العُمانية نحو الاقتصاد الرقمي، والتنمية الرقمية في كافة القطاعات، والتنويع الاقتصادي والاستثمار التنموي في المحافظات، تخطو سلطنة عُمان خطوات جادة وحقيقية نحو إلى الاستثمار في الانتعاش الثقافي؛ خاصة بعد تأثيرات الجائحة على هذا القطاع في السلطنة، وما سببه ذلك من تحديات واجهت المبدعين العاملين فيه، خاصة شركات الإنتاج الصغيرة في المجالات الفنية ومؤسسات النشر، ودور السينما وغيرها، مما أدى إلى تفاقم الإشكالات الاقتصادية الفردية والمؤسسية.
إن فرص الاستثمار في الانتعاش التي تمنحها مجالات الثقافة في السلطنة في ظل التعافي، والعمل على تسريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، تعتمد على قرارات (تطوير الصناعات الثقافية والإبداعية) في الدولة باعتبارها ركيزة اقتصادية، وإيجاد شراكات تنفيذية بين القطاع الثقافي والقطاعات الاقتصادية (الصناعية والتجارية).
الأمر الذي يمكن أن يقدم رؤية واضحة عن هذه الفرص الاستثمارية الواعدة في هذا القطاع الحيوي، ويُسهم في انتعاش الثقافة وصناعاتها الإبداعية، ويمكِّن الشباب المبدع، ويؤمِّن وظائف إبداعية وأنشطة ثقافية مستدامة، قادرة على الصمود.
تتزامن تلك التوجهات والرؤى المستقبلية مع استعدادات كافة القطاعات العُمانية للاحتفال بالعيد الوطني الواحد والخمسين للنهضة الذي يوافق 18 نوفمبر المقبل، والذي يتوج مسيرة 51 عاماً من النهضة الحديثة، وانطلاق عام جديد من النهضة العُمانية المتجددة التي أسسها السلطان هيثم بن طارق منذ توليه مسئولية الحكم في 11 يناير 2020م.
لقد أولت سلطنة عمان الصناعات الثقافية اهتماما كبيرا منذ عهد النهضة، ويتواصل الاهتمام بالثقافة من قبل القيادة السياسية الحكيمة، وفي هذا السياق جاء المرسوم السلطاني الذي أصدره السلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان، بتعيين سالم بن محمد بن سعيد المحروقي وزيراً للتراث والثقافة، بعد أن شغل السلطان هيثم نفسه هذا المنصب لمدة تقارب 18 عاماً، ليؤكد على الاهتمام العُماني المتواصل بالجوانب الثقافية، والتي منحها السلطان قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ جل رعايته متمثلاً ذلك بإنشاء أول وزارة للتراث والثقافة ليس فقط في سلطنة عُمان وإنما في منطقة الخليج العربي.
وتتجه الحكومة العُمانية وفقاً لاستراتيجية (استثمار إبداعي مستدام) إلى مزيد من الاستثمار في هذه الصناعات، يُسهم بشكل مباشر في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للدولة، فكما قدمت الصين برنامج (نهضة الصناعات الثقافية)، تسابق سلطنة عُمان جهودها الراسخة لمزيد من من المبادرات الثقافية لتكون برامج فاعلة ومؤثرة للاستثمار في الانتعاش الثقافي في المرحلة القادمة، ولعل هذا الاستثمار يتبلور في شركات صناعية ثقافية ممكَّنة ومستدامة.
ومن جهة أخرى يمثل الاهتمام بالثقافة أحد الروافد الدبلوماسية، وهو ما تعمل على تفعيله سلطنة عُمان، إذ تشكل الدبلوماسية الثقافية في هذا الصدد الوجه الأبرز لسياسات القوة الناعمة، ولعلها كانت الممارسة التقليدية التي استلهمت من تجاربها التاريخية العريقة الدروس والخلاصات النظرية لبلورة مفهوم القوة الناعمة في العصر الحديث للعلاقات الدولية.
ولا شك أن كل الدول تمارس سياسات للقوة الناعمة كعنصر يتكامل مع الاستثمار في المجالات العسكرية والاقتصادية ذات الطبيعة المادية الصرفة، ولدى الدول الكبرى، توكل المهام الرئيسية لتخطيط واقتراح ومتابعة تنفيذ البرامج الرامية إلى ممارسة القوة الناعمة إلى أجهزة ما يسمى بالدبلوماسية العامة، ذلك النشاط الذي يهم مختلف البرامج التي تنفذ خارج الحدود في تواصل مباشر مع النخب والجماهير الأجنبية أو فئات مستهدفة منها. يشمل ذلك تدبير تدفقات إعلامية وتواصلية وثقافية لإحداث تغييرات معينة أو بناء أفكار وقناعات معينة تسهل تفهم سياسات هذه الدولة وقراراتها.
والحق أن سلطنة عُمان قد عمِلت على دعم التنمية الإنسانية وتعزيز هذه الأنشطة في كافة المجالات، بل لقد أنشأت صناديق لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتمويلها بُغية تمكينها وتفعيل دورها التنموي في الدولة.