كتب- أحمد نورالدين:
تحت عنوان: (الأبعاد الإنسانية في أحكام الحدود والجنايات دراسة فقهية مقارنة) حصل الباحث خالد فؤاد عبد الله عطيفي مدرس الفقه المقارن المساعد بكلية الشريعة والقانون بأسيوط على درجة العالمية (الدكتوراه) في الفقه المقارن بتقدير مرتبة الشرف الأولى، تكونت لجنة المناقشة والحكم على الرسالة من الأستاذ الدكتور محمود عبد الرحمن محمد صديق أستاذ الفقه المقارن، وعميد كلية الشريعة والقانون بأسيوط (مشرفًا أساسيًا)، والأستاذ الدكتور جمال محمد يوسف توني أستاذ الفقه المقارن، ووكيل كلية الشريعة والقانون للدراسات العليا والبحوث بأسيوط سابقًا (مناقشًا داخليًا)، والأستاذ الدكتور أيمن فتحي محمد علي أستاذ الفقه المقارن ورئيس قطاع الشريعة والقانون بكلية الدراسات العليا بالقاهرة (مشرفًا مشاركًا)، والأستاذ الدكتور محمد علي محمد عطاالله أستاذ الفقه المقارن، وعميد كلية التربية ــ بنات ـ بأسيوط مناقشًا خارجيًا.
وعن رسالته قال الباحث الدكتور خالد فؤاد: إن حكمة الله (سبحانه وتعالى) قد اقتضت أن يكون الإنسان سيد هذا الكون الذي خلقه الله في نظام وتناسق بديع، وأن يكون كل ما في الكون مسخرًا لخدمة الإنسان تكريمًا له وتفضيلًا، قال الله سبحانه) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [الإسراء: 70، وإن دلَّ هذا الأمر على شيء فإنه يدل على ما للإنسان من مكانة مرموقة، ومنزلة فاضلة عند خالقه، الذي وهبه من النعم ما لم يهبه لغيره من المخلوقات قال (سبحانه) {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (النحل: 18)
وقد بعث اللهُ (سبحانه) سيدَنا محمدًا بهذا الدين القويم، وبهذه الشريعة السمحة، التي أتمها ورضيها لعباده، وبيَّن (سبحانه) في مواضع كثيرة من كتابه الكريم أن هذه الشريعة قائمة على العدل، والرحمة، والإحسان، والحكمة، فهو (سبحانه) من كمال رحمته بعباده، وعظيم فضله عليهم، لا يأمرهم إلا بالعدل والحق والإحسان والبر ولا ينهاهم إلا عن الظلم والباطل والفحشاء والمنكر، قال سبحانه): إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90.
ولقد حذا الفقهاء في هذا المجال حذو الرسول الكريم وصحابته الأجلاء، فتكفَّلوا بالاجتهاد العلمي الصادق، المنزه عن الأغراض والأهواء؛ واهتموا بالأبعاد الإنسانية اهتمامًا كبيرًا في نظرتهم الفقهية، فلم يقفوا على ظواهر النصوص، بل أمعنوا النظر في مقاصدها وتدبروا النوازل والمستجدات؛ ليضعوا لها ما يناسبها من الحلول الفقهية المستنبطة من الأدلة الشرعية، بنظرة إنسانية عميقة، تتميز بفهم للأحوال والظروف الواقعية؛ ليساعدوا عباد الله على الوصول إلى أعلى درجات الرقي والسمو بالتعرف على مقصوده (تعالى)، حتى ينظِّم لهم حياتهم ومعاشهم؛ فيسعدوا في الدنيا والآخرة ومن ثم فإن أحكام الشريعة الإسلامية في جملتها تؤكد على أن ديننا الحنيف هو دين القيم الإنسانية والأخلاق الرفيعة الراقية.
أما عن أهمية الموضوع وأسباب اختياره ، فيقول الباحث الدكتور خالد فؤاد: دفعني إلى اختيار هذا الموضوع أسبابٌ عدةٌ يمكن إجمالُها في الآتي:
1ــ أن الأبعاد الإنسانية من الأمور المهمة، التي ينبغي على المشتغل بالفقه أن يكون على معرفةٍ بها؛ حتى يُبيِّنها للناس ويوضِّحها لهم؛ لإظهار عظمة التشريع الإسلامي ورُقِيِّهِ ومدى مراعاته لظروف الناس وأحوالهم، واهتمامه بما يحافظ على كرامتهم وإنسانيتهم بنظرة عامة وشاملة.
2ــ أن أحكام الحدود والجنايات من أهم الأحكام التي يجب معرفتها ببيان الأبعاد الإنسانية فيها؛ وذلك لأن المقصد منها حفظ الضروريات الإنسانية وحفظ ما يخدمها من الحاجيات والتحسينيات جلبًا للمصالح ودفعًا للمفاسد.
3ــ الحاجة إلى معرفة الأقوال المختلفة في المسائل الفقهية، وبيان الأبعاد الإنسانية فيها؛ حتى يتسنى للباحثين النظر في المقاصد والأبعاد، والترجيح على هذا الأساس.
ومن هنا أردت أن أُسلِّط الضوْء في بحثي هذا على دراسة الأبعاد الإنسانية في أحكام الحدود والجنايات، وذلك ببيان الجانب التأصيلي لكل بُعْدٍ إنساني منها عن طريق تعريفه، وأدلة مشروعيته، وأسسه، وضوابطه، (على حسب طبيعة كل بُعدٍ)، وبيان الجانب التطبيقي لكلٍ منها عن طريق دراسة بعض المسائل الفقهية التي توضح مدى مراعاة فقهاء الأمة للأبعاد الإنسانية حال دراستهم لهذه المسائل ومدى دقة وعمق رؤيتهم لها، ومدى تقديرهم لأحوال العباد، ومراعاة ظروفهم وأحوالهم، وإنسانيتهم، ومما تجدر الإشارة إليه أن قسم الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون بأسيوط كان له السبق في تبني هذه الفكرة والتشجيع عليها حتى تكونت منها سلسلة شملت جميع أحكام الفقه الإسلامي من العبادات، والمعاملات، وأحكام الأسرة والحدود والجنايات.
أما عن إشكالية البحث فتتلخص في الإجابة على الكثير من التساؤلات وأهمها ما يأتي: ما هي الأبعاد الإنسانية في أحكام الحدود والجنايات؟، وما هي المصطلحات التي تتشابه مع مصطلح الأبعاد الإنسانية؟، وما هي القواعد الأصولية والفقهية التي بُنيت عليها الأبعاد الإنسانية؟، وما هي أسس العدل في أحكام الحدود والجنايات؟، وما هي ضوابط الستر والعفو عن الجناة في أحكام الحدود والجنايات؟، وما هي التطبيقات الفقهية للأبعاد الإنسانية في أحكام الحدود والجنايات؟ وفي ضوء الإجابة على هذه الأسئلة يحاول البحث إثبات قدرة الفقه الإسلامي على التجدد والتطور ليواكب المستجدات في المجالات الإنسانية للحدود والجنايات.
وأما عن أهداف موضوع رسالتى فتتمثل فى: 1ــ توضيح الأبعاد الإنسانية التي راعاها التشريع الإسلامي في أحكام الحدود والجنايات، وهي حفظ الكرامة الإنسانية، والحفاظ على الكليات الخمس (الضروريات الإنسانية)، وتحقق العدل، والرحمة، والستر، والعفو.
2ــ الرد على متهمي الشريعة بالقصور، وعدم دراستها للواقع الإنساني، وذلك ببيان الأبعاد الإنسانية في الأحكام الشرعية، ومدى ملاءمتها لطبيعة البشر في كل زمان ومكان.
3ــ الحاجة الواقعية الملحة للإجابة على كثير من التساؤلات في هذا الجانب ببيان أبعاده الإنسانية، ومقاصده التشريعية؛ حتى يتسنى لمن يتصدر للفتوى أن يطلع على مقصد الحكم وبُعدِه الإنساني؛ ليكون عونًا له على الفتوى الصحيحة.
4ــ بيان سماحة ويسر ومرونة الفقه الإسلامي، واهتمامه بالأبعاد الإنسانية ومراعاته لتغيرات الواقع بحسب اختلاف الزمان والمكان.
وأما عن منهج البحث فيعتمد البحث في جملته على الاستقراء والتحليل والوصف والاستنباط والمقارنة بين المذاهب الفقهية المختلفة وذلك للوصول إلى نتائج محددة تسهم في سد الفراغ الفقهي حول هذا الموضوع الهام.
وعن أهم نتائج البحث قال الباحث الدكتور خالد فؤاد: 1ـــ أثبت البحث أن الإسلام وحده سبق إلى تقرير الكرامة الإنسانية قبل مواثيق البشر في صورة كاملة، يعرفها المسلمون منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، وهذا التكريم الإلهي عام لكل الناس، بغض النظر عن الدين أو اللون أو الوضع الاجتماعي فالإسلام حرص على حفظ كرامة الإنسان حين يولد، وكرامته في العيش، وكرامته حين يموت.
2ــ أثبت البحث بما لا يدع مجالًا للشك أن الإسلام قد كفل للإنسان حرية اختيار العقيدة التي يطمئن إليها معتنقها باعتبارها تكليفًا ومسئولية يترتب عليها الجزاء، فقال سبحانه: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 256
3ــ أثبت البحث أن الإسلام قد فتح أبوابه للإنسانية جمعاء، وتوجَّه بخطابه إلى الكل دون تمييز أو إقصاء، واشترط في مقابل ذلك الإرادة الحرة في الاختيار المبنية على دواعي الاطمئنان النفسي والاقتناع العقلي؛ حتى يَسْلَمَ معتنقوه من غوائل الشك والريبة.
4ــ أثبت البحث أيضًا أن الإسلام قد كفل للناس حرية الفكر والتعبير تحت ضوابط محددة؛ لأن حرية الرأي المنضبطة بضوابط الشرع تبني المجتمع، وتصحح أخطاءه، وتُبصِّره بطريق الحق والفلاح، فلم تكن حرية الفكر والتعبير مطلقة في أي مجتمع للذين يخرجون على ما تقرر من أصول الاعتقاد ومكارم الأخلاق، مهما كانت معتقداتهم، فالحرية المطلقة هي الفوضى المطلقة، فلا شك أن الحرية من أعظم أسباب القوة النفسية، وأن الاستبداد عليها من أعظم أسباب الضعف النفسي؛ لأن التعمير لا يتحقق إلا بالمبادرة والابتكار والانطلاق في التجارب الحرة التي تعدّل مسارها ذاتيًا وتحقق تقدمًا إلى الأمام، وأما الارتهان النفسي لإرادة خارجية فإنه لا يثمر منه شيء وهو أحد مقتضيات قول الله تعالى): ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ [النحل: 75
5ــ قد أثبت البحث بما لا يدع مجالًا للشك أن الفقه الإسلامي قد قرر المساواة التامة بين الناس بلا أدنى تمييز بينهم بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو العقيدة، وأنه لا أثر لاختلاف الأوصاف في ذلك.
6ــ أثبت البحث أن أحكام الحدود والقصاص تنبني أساسًا على الستر والعفو والرحمة، وهي معاني إنسانية رائعة، إن دلت على شيء فإنما تدل على مراعاة فقهاء الشريعة للقيم الإنسانية في تقرير الأحكام.
وحول أهم توصيات الرسالة قال الباحث الدكتور خالد فؤاد توصلت لعدة توصيات منها:
-1 القيام بعمل مؤتمرات دولية في كلية الشريعة والقانون، والكليات الأخرى المناظرة لها حول الأبعاد الإنسانية والحضارية للفقه الإسلامي والقانون الوضعي؛ نظرًا لما لهذا الموضوع من أهمية كبرى في الواقع المعاش؛ لأنه يقضي على ظاهرتي الإفراط والتفريط، ويُعَدُّ من أهم الأسس التي تساهم في دعم الخطاب الديني الوسطي المستنير.
2ـ تكوين لجنة من العلماء الأتقياء؛ تقوم بالنظر في المسائل الخلافية بين الفقهاء والترجيح بينها على أساسٍ مقاصدي، فإني على ثقةٍ في أن الترجيح على هذا الأساس يخدم الإسلام؛ لأنه يسد الثغرات أمام الذين يسعون للتشكيك فيه، ويحد من إلصاق التهم به، ويجبر الجميع على الاعتراف بعظمته.
3ــ على الباحثين أن يهتموا بدراسة الأبعاد الإنسانية في جميع الأحكام الفقهية نظرًا لما له من أهمية كبرى في الواقع المعاش؛ لأنه يساعد على الترجيح بين أقوال الفقهاء على أساس صحيح، ويحد من التقليد، ويقضي على وجهات النظر الشاذة سواء التي تقوم على أساس الإفراط أو التفريط.
4ـ جمع جهود العلماء في دراسة الأبعاد الإنسانية في مختلف الأحكام الفقهية ونشرها عبر وسائل الإعلام المختلفة؛ حتى يعلم القاصي والداني بعظمة التشريع الإسلامي وسماحته.