يتعين أن تتعرف الأمم على سيد البشرية و نبراسها المبين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلـم :
الكاتبه صفاء كروش
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا ريب أن سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم تشكل الركيزة الأساسية لحركة التاريخ الإسلامى العظيم الذى يعتز به المسلمون على اختلاف ألوانهم و ألسنتهم و أقطارهم ؛ فقد كان الرسول هو حقيقة كل شئ من أمور الدنيا والآخرة ، فهو قائد عظيم لرسالة سماوية عظيمة ، فهو المأخذ الصحيح الذى لا جدال فيه فقد قال رب العزة سبحانه وتعالى “……….. و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا و اتقوا الله إن الله شديد العقاب” سورة الحشر اية رقم ٧ . و قال أيضا فى محكم أياته “لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر و ذكر الله كثيرا” سورة الأحزاب :٢١.
فقد كان صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن فأخبرت عنه أمنا السيدة عائشة رضى الله عنها أنه (كان قرآنا يمشى على الأرض) ، لكن عند الحديث عن سيد الخلق و المرسلين من أين أبدا و أى منحى من مناحى شخصيته و حياته الكريمة أتخذ سبيلا ، أقبل مولده أم بعد مولده أم عن أثره فى البشرية فى كل لحظة إلى أن تقوم الساعة ، فأثره دائب ديمومة الحياة إلى أن يرث الله الأرض و من عليها ، فسيرته العطرة تثير الدهشة فى النفس البشرية ، فقبل ميلاده الشريف كانت الدنيا يعمها ظلام الكفر و الشرك بالله ، و النفوس خواء ، و الظلم و القسوة و غلظة القلوب و الإعتداء على الآخر هو قانون الحياة ، إلا من بعض الفضائل التى بوجوده الكريم أكدها ولم ينكر فضائل من سبقوه، بل زاد عليها ما يجعل الدنيا عامرة بالحب والإخاء فقد قال و قوله الحق “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
بميلاده الشريف اهتزت الأرض تحت أرجل أفيال أبرهة الأشرم بمكة المكرمة إعلانا لحدث جلل أحدث فرقا كبيرا فى تاريخ الإنسانية ، بل الأهم على كل الأصعدة ، و ارتج إيوان كسرى و سقطت أربع عشرة شرفة منه ، و أخمدت نيران فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ، و تهللت السماء و أنار الكون من نوره ، وأطل عليه جلال من جلاله ومهابة من مهابته ، و حسن الجماد و الشجر و الدواب فرحا بقدومه الشريف ، و صدق أمير الشعراء حين قال :
ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم و ثناء
الروح والملأ الملائك حوله للدين و الدنيا به بشراء .
ولأنه سيد المرسلين و من أولى العزم من الرسل ، لك أن تدهش عزيزى القارئ كيف إستطاع هذا القلب الرقيق و النفس الصافية الزكية و الشأن الرفيع أن يحيا وسط ظلام الشرك الدامس ، و بنور قلبه يحيي قلوب من حوله ممن أراد الله بهم خيرا من إنس وجان فقد كان صلى الله عليه وسلم رسول الثقلين ، حيث يقول رب العزة فى كتابه الحكيم ” قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا (١) يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا(٢) ” سورة الجن اية رقم ١و ٢، و بنهجه القويم صلى الله عليه وسلم علم الأمة الطريق القويم لسعادة الدارين ، فقد كان دائبا فى تنمية وعي البصائر و تدريب القلوب على العمل فحذر من صلاة لا يبقى منها سوى القيام و القعود ومن صوم ليس لصاحبه منه إلا الجوع و العطش، و كان يتخذ من نفسه حافزا لأصحابه على تدريب بصائرهم على الرؤية الإيمانية الصحيحة، فعن عبدالله بن عمران أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، دخل الجنة) فكان صلوات ربي عليه بشيرا ، و نذيرا حيث قال : (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر : الشرك بالله و عقوق الوالدين) ، و لنا فى حادث رحلة الطائف أثر رحمته العظيمة ، فبعد أن بلغ ما بلغ به من إصابة ونزف قدميه الشريفتين ، رفض إهلاك من آذوه ، و كان يرفع أكف الضراعة و يقول : اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون ، و فى يوم العقبة موقف آخر لرحمته المهداة ، إذ ملك الجبال يقول له : قد بعثنى ربك إليك لتأمرنى بأمرك فيما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين (الجبلين) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً)، و صدق ربى حيث قال “و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” سورة الأنبياء اية رقم ١٠٧، و قال أيضا فى محكم اياته ” لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر و ذكر الله كثيرا” سورة الأحزاب اية رقم (٢١) .
حبيبى يا رسول الله إن القلم ليعحز عن وصف ما يعتمل فى صدرى من حب إلى من لم تره عينى ، و يذكره تفيض دموعى من أثر حبه ، إن مجرد ذكر اسمك يا حبيبي لا يتحمله ولهى بك وولعى و شوقي إليك ، وبفضل ميلاده الشريف و رسالته العصماء ، يرتفع آذان الحق خمس مرات فى اليوم فى كل بقاع الأرض، بك يا رسول الله عرف الحق و بذكرك يطيب الذكر و المجلس، فقد كان قائدا عظيما و مربيا فاضلا به اقتدت الأمة ، و على نهجه سارت ففتح الله لهم وبهم و دانت الأرض ففتح المسلمون بلاد الروم و الفرس ، فامتدت الفتوحات الإسلامية شرقا فى بلاد فارس و غربا إلى المحيط الأطلسي ، ولأنه عند اكتمال الأشياء تبدأ النهاية ، فنجده صلى الله عليه وسلم فى خطبة الوداع تلى الآية الكريمة “اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتى و رضيت لكم الإسلام دينا…………” سورة المائدة ايه رقم (٣) ففرح بها الصحابة إلا سيدنا أبي بكر بكى بكاء شديد فسالته الصحابة ما يبكيه فقال : و الله ما بعد الاكتمال إلا النقصان ، و قد صدق فقد عاش حضرة النبى بعد هذة الأية ثمانون يوما ، أولى بهذا الرسول أن تكون أمته خير أمة أخرجت للناس ، فلا ريب أن الإنسان مهما بحث عن مثل أعلى فى أى ناحية من نواحى الحياة ، فإنه لن يجد أعظم قدوة و صورة للمثل الأعلى إلا رسول الله ، لكى يجعل حياته دستورا ناطقا لاحتمال مصاعب الحياة، فى يوم ميلاده الشريف لنحتفل و نحتفى به صلى الله عليه وسلم و نتخذه ميلادا لأنفسنا بإتخاذه صلى الله عليه وسلم قدوة لنا و بذكر سيرته العطرة لأبنائنا ، لتتعرف الأمم على سيد البشرية و نبراسها المبين .