كتب- أحمد نورالدين:
تحت عنوان “إشكاليات التوثيق العلمي لتاريخ الدعوة في العصر الأموي عند المستشرقين” نال الباحث الدكتور طه محمد طه القلا المدرس المساعد بقسم الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين والدعوة الاسلامية بطنطا درجة العالمية الدكتوراه.
تكونت لجنة الحكم والمناقشة: من فضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد إسماعيل أبو شنب، أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية وعميد الكلية، مشرفا أصليا، وفضيلة الأستاذ الدكتور/ عبد العزيز عبد البصير عبد العزيز، أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية المساعد بالكلية، مشرفا مشاركا، وفضيلة الأستاذ الدكتور/ بكر زكي عوض، أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية المتفرغ وعميد كلية أصول الدين بالقاهرة سابقا، عضوا خارجيا، وفضيلة الأستاذ الدكتور/ يسري محمد عبد الخالق، أستاذ ورئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية بالكلية، عضوا داخليا.
وعن رسالته يقول الباحث الدكتور طه محمد طه القلا المدرس المساعد بقسم الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين والدعوة الاسلامية بطنطا: إن التوثيق العلمي لتاريخ الدعوة هو الركيزة الأصيلة التي يعتمد عليها كل كاتب في رحلة البحث عن الحقيقة، فهو قاموس الشعوب الملهم وذاكرة الأمم المضيئة التي تصل حاضرها بماضيها، وهو خير شاهد على تاريخ الدعوة المجيد في كل زمان ومكان، فمن خلاله يتم الوقوف على حجم التطور الحاصل في المجتمعات وسد الثغرات وتعزيز نقاط القوة فيه.
وقد كان العهد الأموي امتدادا لعهد الخلفاء الراشدين في جوانب العلم والفقه والقضاء، وبقيت فيه آثار التربية الدينية وسمو العقيدة، وآثار الإيمان والالتزام بآداب الدين والتقيد بالأحكام الشرعية، كما نشطت فيه حركة تدوين العلوم الإسلامية، والانفتاح على الحضارات الأخرى، وترجمة الثقافات والعلوم من الأمم المجاورة على يد جيل فريد من التابعين، اختارهم الله لحمل لواء الدعوة ورفع راية الإسلام، فقاموا بواجب دعوتهم خير قيام، وعاشوا في ظلالها أمناء عليها محققين الغاية منها، وفق هَدْي خير أسوة أُخْرجت للناس، كما كان هؤلاء المجتهدون صلة الوصل بين الصحابة والمذاهب الفقهية فيما بعد.
مضيفا أن تاريخ الدعوة في العصر الأموي تعرض على يد العديد من المستشرقين لظلم كبير هائل، وطعن بين واضح، في تقديم الرؤية لهم والنظرة عنهم، فاعتمدوا على تضخيم الهفوات واتباع الزلات، وطمس الحقائق وبث الشبهات؛ حتى شوهوا محاسنه، وطمسوا معالمه، والسر في ذلك يتلخص في وقوع العديد من أبناء الحركة الاستشراقية في العديد من الإشكاليات المصدرية المتمثلة في: (اعتبار مادة الاستشراق مصدرا أصيلا من مصادر الاستدلال، واعتماد مراجع في غير تخصصها، والتوثيق من مصادر غلاة الخصوم، بل تصل أحيانا إلى حد القناعات الذاتية في الحكم على وثاقة المصدر)، والإشكاليات الموضوعية المتمثلة في: (الطرح العقدي وزعم التأثير، وتجاهل الوعاء الزمني، والتفسير المادي للأحداث التاريخية، والتعميم الفاسد للقضايا، وتجاهل الحقائق الثابتة، عدم الدقة في تصور الموضوعات)، والإشكاليات المنهجية المتمثلة في: (إغفال الدليل، والاستنتاج الخاطئ من الأدلة، بل تحريف الأدلة أحيانا، وتحكيم النزعة التجريبية المادية في التوثيق، وتجاهل الفروق بين النص والممارسة، والتحيز العنصري والتعصب المذهبي، وفقدان النزاهة العلمية؛ بغية الحيلولة بين الإسلام والشعوب الغربية في محاولة للحط من قيمة الفقه الإسلامي، والسعي إلى بث روح العداء بين المسلمين، أملا في فرض التبعية للحضارة الغربية على الشعوب الإسلامية).
لذا؛ وجب العمل على إظهار إشكاليات التوثيق العلمي وأخطاء المستشرقين المنهجية والمصدرية في تناول تاريخ الدعوة في العصر الأموي وما مر به من مراحل، واستيفاء الجهود التي بذلها الدعاة في فترة حكم الأمويين عند من اهتموا بدراسة الشرق الإسلامي وما يتعلق به خاصة في النواحي الدينية، والسعي إلى بيان المنهج الذي اتبعه المستشرقون في التأصيل العلمي له في هذا العصر، وإيضاح خصائص ومقاصد هذا المنهج الغير علمي، وإبراز ما صاحبه من أهواء شخصية وافتراءات زائفة وادعاءات باطلة؛ وإيضاح مخالفته للمناهج العلمية الصحيحة، وبيان أثر ذلك المنهج في الجوانب الدعوية.
وحول أهمية موضوع رسالته يشير الدكتور طه القلا أنها تتضح من خلال الأمور الآتية:
– أن أبرز ما يتشدق به العديد من المستشرقين، هو ادعاؤهم التمسك بالمنهج العلمي السليم في التوثيق، وهذا زعم باطل في أغلب الأحيان، لا يثبت أمام النقد العلمي السليم بحال.
– أن العصر الأموي من خير القرون في هذه الأمة، التي شملها قول رسول الله “خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، …”، فهو عصر حافل بالبطولات والإنجازات التي لا تخفى على كل ذي لُب، ويعد من أعظم عصور الخلافة الإسلامية خدمة للدعوة إلى الله تعالى، فضلا عن أن تلك المرحلة من أهم مراحل تاريخ الدعوة بعد عصر الخلافة الراشدة.
– أن العصر الأموي يعتبر عصر الفتوحات الإسلامية، وتصنيف العلوم وتدوينها في المجالات المختلفة للتراث الإسلامي.
– يعد هذا العصر شاهدا على العديد من الأحداث التاريخية، في المجالات العلمية، والفكرية، والسياسية، والحضارية، والتنموية، فهو عصر جدير بالبحث والدراسة، خاصة أن العديد من كتابات المستشرقين لم تخل من الطعن فيه والتشويه المتعمد له.
كما تعددت الأسباب التي دفعتنى إلى اختيار هذا الموضوع، ومنها ما يلي:1- الكشف عن أهم إشكاليات التوثيق العلمي لتاريخ الدعوة في العصر الأموي عند المستشرقين، من خلال تقديم دراسة خاصة بها، تعتمد على التحليل والاستنباط واستخراج ما بين السطور، لإيضاح ما تحتوي عليه من مناهج غير علمية ودعاوى باطلة، خاصة أن هذه الإشكاليات؛ جاءت نَتَاجاً لطمس متعمد لحقائق تتعلق بتاريخ الدعوة في هذا العصر.
2- اتسمت مناهج العديد من أبناء الحركة الاستشراقية بالكثير من الخصائص اللازمة لها، والتي كشفت عن خبث نواياهم وعدائهم الشديد لتاريخ الدعوة ورجالها على مر العصور؛ خاصة في العصر الأموي؛ مما يستلزم الوقوف عليها وبيان زيفها، والدفاع عن تاريخ الدعوة المفترى عليه من قبل هؤلاء.
3- بيان الدور الدعوي للخلفاء والعلماء والدعاة إلى الله تعالى في هذا العصر، وإيضاح مدى حرصهم الشديد على حفظ الدين، وتبليغ الدعوة إلى الله تعالى وحفظ مصادرها من التحريف والضياع، وتعليم الناس.
4 – محاولة رفع الظلم البين الذي تعرض له تاريخ الدعوة في هذا العصر؛ والعمل على إحقاق الحق ووضع الأمور في نصابها قدر المستطاع من خلال بيان تلك الإشكاليات وما ترتب عليها من آثار بالغة.
وحول أهم ما توصل اليه الباحث الدكتور طه القلا فى رسالته يقول: تم التوصل إلي عدة نتائج، من أهمها:
– نجاح العملية البحثية في العصر الحاضر وفي كل عصر مرهون بالتمسك بضوابط البحث، واقتفاء المنهج الإسلامي في دقته وأمانته.
– أن ادعاء التمسك بالمنهج العلمي والتشدق به كان عاملا رئيسا في استعلاء عدد من المستشرقين على تاريخ الدعوة في العصر الأموي.
– أن فهم العديد من المستشرقين لتاريخ الدعوة في العصر الأموي كان فهما قاصرا، ولذا قاموا بانتقاص قدره والحط من قيمته في العديد من موضوعاته وبعض جوانبه، مما يعكس مدى علا قتهم بطرق المنهج العلمي ومناهجه.
– أسهمت إشكاليات التوثيق العلمي لتاريخ الدعوة في العصر الأموي في تشويه متعمد بعض الشيء لجزء من تاريخ الدعوة على المستوى العالمي.
– قامت الدعوة إلى الله تعالى في العصر الأموي، على جملة من القيم الدعوية العظيمة، والوسائل والأساليب المناسبة، حرصا على مصلحة المدعوين
– أن الفتوحات الإسلامية كانت من أهم عوامل اتساع الدولة في العصر الأموي ودخول شعوب جديدة في الإسلام، مما أدى إلى التعرف على الحضارات المختلفة والمعارف المتعددة، والاستفادة منها في تطوير الحضارة الإسلامية.
– خلف رجال الدعوة في العصر الأموي ميراثا عظيما وتركة هائلة من فهم دقيق ووعي عميق بكافة أمور الإسلام وجوانبه، وأمور الدعوة إلى الله تعالى، قولا وتطبيقا.
– لإشكاليات التوثيق العلمي لتاريخ الدعوة في العصر الأموي دور رئيس في تأهب العديد من الباحثين المسلمين، للذب عن تاريخ الدعوة والدفاع عن رموزها وأعلامها.
– التزم بعض الباحثين من أبناء الشرق الإسلامي آراء العديد من المستشرقين، دون تمحيص أو تدقيق، فضلا عن تجاهلهم العديد من الضوابط العلمية، مما أوقعهم في أخطاء فادحة وشطط هائل.
وأوصي الباحث الدكتور طه القلا بعدة توصيات، من أهمها: أن التوثيق العلمي المنضبط بالمنهج القويم، يعد أهم ركيزة يرتكز عليها كل باحث، ولذا ينبغي علي الباحثين المعاصرين الاستفادة من أرباب الخبرة وأهل التجربة، حتى يتمكنوا من الوصول إلى الغاية المنشودة في مجال البحث العلمي.
– ينبغي إعداد جيل من الباحثين إعدادا علميا ودعويا وتربويا، ليكون أهلا لتحمل أمانة الدعوة إلى الله تعالى، وتبليغها للناس، والذب عنها إن لزم الأمر بحكمة ورفق.
– ينبغي على الباحثين دراسة التاريخ الإسلامي، بموضوعية وتجرد عن الهوى، لاستيعاب جميع الدروس الدعوية والاستفادة منها في الواقع المعاصر، وأن يتواصوا فيما بينهم بالتزام المنهج العلمي وعدم الحيد عنه.
– ضرورة العمل على مخاطبة كافة الشعوب وبيان محاسن التاريخ الإسلامي وقيمته ومكانته الحقيقية، مع مراعاة تعددهم وتنوع أصنافهم واختلاف أحوالهم.
– ينبغي العمل على تشكيل لجان علمية دورية، تهتم بتمحيص التاريخ الإسلامي ودراسته، وتعمل على تحقيق الاستفادة منه.