تتملكنى حاله غريبه وعجيبه من الحميميه تجعلنى أتعايش مع الماضى كيانا وأشخاص ، وأتعايش مع أحداثه ، وشخوصه ، ومواقف كثيره كنت فيها إما طرفا فاعلا ، أو شاهدا ، أو راصدا ، أو داعما ، ولأنه زمن جميل حقا أشعر بالسعاده كلما إنتزعتنى نفسى منى إلى رحابه ، زمن الرجال ، والكرام ، والفضلاء ، هؤلاء الذين باتوا جميعا فيه مجرد ذكرى حتى من منهم على قيد الحياه ، لكن مايثلج الصدر أن ذكراهم طيبه ، وسيرتهم عطره ، والحديث عنهم فخر ، وتناولهم شرف .
يتعاظم ذلك عندما يترسخ اليقين أن هذا التناول متجردا من أى هوى ، أو مصلحه ، لأن جميع من منهم على قيد الحياه ليس لهم الآن من رصيد إلا سمعتهم الطيبه ، ونزاهتهم ، وشرفهم ، وماأجله من رصيد يفوق كل مناصب الدنيا وأموال قارون . لذا أرى أن أمانة القلم كصحفى صاحب رساله وطنيه ، شريفه ، ونظيفه تفرض على شخصى فرضا تناول تلك النماذج المشرفه فى هذا الوطن الغالى حتى يدرك أبناء هذا الجيل أن مصر بخير ، وبها مانفخر بهم من الرجال ، ويدرك أيضا حديثى الوظيفه كل فى مجاله خاصة بالشرطه والقضاء وكل الوظائف السياديه أنه سيأتى اليوم الذى يسخر فيه رب العالمين سبحانه شخصا يقول بحق كل منهم قولا يجعلهم إما فى عليين ، يضعون تلك الشهاده أمام أحفادهم مرفوعى الرأس ، أو منطلق إستهجان ، يتمنون لو أن الأرض إبتلعتهم ولايقابلهم من يشير لهم على المكتوب بحقهم شهادة خزى ، خاصة وأن التناول يكون بقوه لأن من يتم تناولهم يكونوا قد أصبحوا بلا منصب أو جاه .
شعرت بالحنين إليه فهاتفته وعرفنى من صوتى الذى بات فى أعماق نفسه ، وكذلك صوته بالنسبه لى أعرفه من أول وهله ، رغم صداقتنا التى بدأت منذ ثلاثين عاما مضت وإلى اليوم بفضل الله تعالى ، هو نموذج مشرف بحق ليس للشرطه المصريه فحسب ، بل للإنسانيه الممزوجه بشموخ المصريين ، ظللت سنوات طويله ألتقيه كل يوم حتى بات مكتبه بمحكمة جنوب القاهره عنوانا لمن يبحث عنى ، حتى ظن أحد أبناء بلدتى الطيبين الذى أراد مقابلتى بالقاهره لإنهاء مصلحه له أننى تم إلحاقى للعمل بالشرطه حتى وإن كنت صحفى نظرا لأنه وجد كل من سألهم عنى بمحكمة جنوب حيث أوضحت له أنه مكان وجودى يشيرون له على مكتب المقدم ميشيل رشدى قائد حرس محكمة جنوب القاهره .
كان المقدم ميشيل رشدى نزيها شهما رجلا فى زمن الرجال حتى إنتهت مدة خدمته الوطنيه بالشرطه عام 2015 برتبة لواء مساعدا لمدير أمن القاهره مديرا للسجون المركزيه ، ظللت فتره طويله أبحث عن مكنونات شخصه لأنه إستطاع أن يكسب ثقة رؤساء محكمة الجنايات ومحكمة أمن الدوله العليا طوارىء بمحكمة جنوب القاهره فى القلب منهم صديقى العزيز معالى المستشار إسماعيل حمدى رئيس محكمة أمن الدوله العليا طوارىء ، وكذلك معالى المستشار محرم درويش ، والصحفيين المتخصصين فى الشأن القضائى مثلى فى ذلك الوقت ، وحتى المجرمين الذين يترددون على المحكمه للمثول أمام القضاء ، وأسرهم ، وأدركت إنسانيته الرفيعه والتى تجلت فى التعامل مع أسر المتهمين الذين لكل منهم قصه ، البعض منها له بعد إنسانى .
ذات يوم قلت لصديقى الحبيب وأخى الذى لم تلده أمى اللواء طارق عطيه أحد أبرز ضباط أمن الدوله ، والذى وصل لمنصب مساعد أول وزير الداخليه للعلاقات العامه والإعلام ، أحيانا يتهمنى البعض بالمجامله كلما تحدثت عن شخصك الكريم ، والمقدم ميشيل رشدى وكان يومها برتبة عقيد حتى أن صديقا قال لى ذات يوم لو أننى لم أعرفك وأعرف أصلك ، وفصلك ، وعائلتك ، لقلت أنك منافق ، تنافق الشرطه لغرض فى نفس يعقوب ، لكننى كان لدى قناعه مؤادها حتمية تناول الأفعال الطيبه لرجال الشرطه أفراده قبل الضباط لأنه ليس من الإنصاف الصمت أمام ماإستقر فى يقين الناس أن الشرطه تعنى البطش ، والإجرام لأن ماينشر عنها وأفرادها من سلبيات رسخ هذا المفهوم ، ومازالت تلك قناعاتى .
كان المقدم ميشيل رشدى موسوعه معلوماتيه ، وخبره حياتيه ، ولديه قدره غير مسبوقه فى إستيعاب المواقف ، وماأكثرها فى محكمه مثل محكمة جنوب القاهره ، ولن أنسى أبدا براعته فى إحتواء الأزمه الخطيره التى نشبت بأروقة المحكمه وإمتدت حتى بابها عندما أصر مرتضى منصور المحامى على ضرب فريد الديب المحامى بالحذاء لجرأته فى الدفاع عن الجاسوس الإسرائيلى عزام عزام ، الغريب أن المعلومه وصلت إليه قبل أن يبدأ الصدام لقوة علاقاته ، وهكذا أراه يتحرك فى مواقف كثيره خاصة فى قضايا الجنايات التى لها علاقه بالقتل ، فيكون كالصقر فى متابعة من بالقاعه .
من اللطائف أن أحد المنافسين لى فى إنتخابات مجلس الشعب التى تشرفت فيها بالفوز بعضوية مجلس الشعب ، أوعز لبعض أهالينا الطيبين أننى سأحصل على أصوات الأقباط لأن صديقى الضابط الكبير بالقاهره ميشيل رشدى أوصى عمدة منشأة بسيون التى يقطنها عدد كبير من الأخوه الأقباط صديقى نبيل حلمى أن ينتخبوه ، وتمسك أن يسأل عن ذلك فذهب فعلا إلى العمده نبيل حلمى وسأله قال له نعم صوتنا لمحمود الشاذلى لأن علاقتنا به تسرى فى الدماء وعدد له مسببات ذلك أن والده العمده كان صديق والدى رحمهما الله ، وأن جدى رحمه الله أعطى مفتاح شقة بعمارتنا لتكون مقر إقامة الأب مينا عبده راعى كنيسة مار مينا ببسيون لمده تزيد على ربع قرن ، وبالكلمه قبل تحرير العقد ، وأننى ماتأخرت يوما عن مطلب لأى قبطى طالما فى إمكاناتى ، وعاجله هل أوصاك الضابط ميشيل رشدى قال طبعا وبدون توصيه نحن معه ، وقامت الدنيا حيث حاول هذا المنافس إستجداء أصوات المسلمين إنطلاقا من تلك الواقعه لتعوض أصوات الأقباط التى سيمنحوها لى .
اللواء ميشيل رشدى نموذج لضابط الشرطه الذى يتعين إخضاعه للدراسه ، ليتعلم شباب الضباط من فكره ، وعطائه ، ورؤيته ، وحصافته ، وإستيعابه للأمور ، والتفاعل مع المشكلات والقضاء عليها بحكمة منقطعة النظير ، والأهم طريقة الوصول للمعلومه الدقيقه والهامه والصادقه ، والتفاعل السريع معها ، ونوعية من كان يعتمد عليهم فى هذا الشأن وجميعهم على قدر رفيع بالمجتمع ، وليسوا مخبرين متحذلقين من الذين يبتهج بهم بعض الضباط الآن ، وبمعلوماتهم التى يحررونها فى تقارير فى حق بعض الأشخاص جانبا منها يتسبب فى خراب البيوت لأن منطلقها الكيد ، وتصفية الحسابات الشخصيه ، التى لاشك تؤثر سلبا فى مستقبل أسرهم جيلا بعد جيل ، وهنا يكمن الخطر حيث أن هذه الطريقه تفرز جيلا يشعر بالظلم ، والقهر ، والإضطهاد فيتحول العاقل منهم إلى مجنون ، والفاهم منهم إلى جاهل ، ويلتقى الجميع فى نقطة واحده هى الإنتقام من كل المجتمع ، وهذا مالانتمناه لوطننا الحبيب ، الأمر الذى أقول معه أن اللواء ميشيل رشدى ومن هم على شاكلته من الكنوز فى هذا الوطن الذين يتعين الإستفاده من خبرتهم ، ولو على سبيل أن يكون وغيره على تواصل مع الرتب الصغيره لطرح رؤيتهم فى التعاطى مع الأحداث .