بقلم: د. خالد راتب
مفكر وكاتب وباحث
• قال النبي ﷺ يومًا لأصحابه: ما تعدون الشهيد فيكم قالوا: يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد، قال: إن شهداء أمتي إذًا لقليل قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد، والغريق شهيد”(رواه مسلم).
• وقال ﷺ :”المطعون شهيد، والمبطون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب الهدم، (وهو الذي يموت تحت الهدم) شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، وصاحب الحرق شهيد “(رواه أبو داود).
• وقال ﷺ:”القتل في سبيل الله شهادة، والنفساء شهادة، والحرق شهادة، والغرق شهادة، والسل شهادة، والبطن شهادة”(رواه الطبراني في الأوسط).
• وقال ﷺ من قاتل دون مالِه، فقُتل فهو شهيدٌ، ومن قاتل دونَ دمِه، فهو شهيدٌ، ومن قاتل دونَ أهلِه، فهو شهيدٌ”(سنن الترمذي).
فالشهيد إذا: هو من ضحى بنفسه في سبيل الله عز وجل وفي سبيل الحفاظ على دينه وعلى عرضه وعلى وطنه من أي عدوان دون غرض من الدنيا، ومن ذكره الرسول -صلى الله عليه- في أحاديثه كالمبطون والمطعون.
ثانيا: أنواع الشهداء: شهيد الدنيا والآخرة، وشهيد الدنيا فقط، وشهيد الآخرة.
أ- أما شهيد الدنيا والآخرة فهو: الذي يقتل في أرض المعركة، لتكون كلمة الله هي العليا.
وهذا تطبق عليه أحكام الشهداء في الدنيا، فيدفن في ثيابه، ولا يغسل، ولا يصلى عليه… وأما في الآخرة، فينال ثواب الشهداء.
ب-وأما شهيد الدنيا فهو: من قاتل رياءَ أو عصبية، أو ليقال: فلان جرئ، أو شجاع…ومعنى كونه شهيد الدنيا فقط أنه تطبق عليه أحكام الشهيد في الدنيا، أما في الآخرة فلا ينال ثواب الشهداء.
ج-وشهيد الآخرة هو: الذي لا يعامل في الدنيا معاملة الشهيد، ولا تجري عليه أحكام الشهداء فيُغسل، ويُكفن، ويُصلى عليه، ولكنه يُعطى يوم القيامة أجر الشهيد، مثل: المبطون والغريق .
ثانيا: سبب تسمية الشهيد شهيداً:
للعلماء في ذلك أقوال شتى منها:
* لأنه حي، فكأن أرواحهم شاهدة أي حاضرة.
*لأن الله ورسوله وملائكته يشهدون له بالجنة.
* لأنه يشْهَد (يرى) عند خروج روحه ما أُعدّ له من الكرامة.
* لأنه يُشْهَد له بالأمان من النار.
* لأن ملائكة الرحمة تشهده عند موته .و تشهد له بحسن الخاتمة.
* لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره.
* لأن الله يشهد له بحسن نيته وإخلاصه.
* لأنه الذي يشهد يوم القيامة بإبلاغ الرسل.
ثالثا: جزاء وكرامات الشهداء:
• الشهيد لا يجد ألم القتل: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ :”ما يجدُ الشهيد من مسِّ القتل إلا كما يجدُ أحدكم من مسِّ القرصة”؛ أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
• رائحة دمه مسكٌ : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ :” لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دما، اللون لون دم والريح ريح مسك “(رواه البخاري .(
• مغفرة الذنوب عند أول قطرة من دمه:
قال ﷺ: “لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ” (رواه الترمذي(.
• الأمن من فتنة القبر : عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ اللَّهِ ﷺ : “أَنَّ رَجُلا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلا الشَّهِيدَ قَالَ كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً” (رواه النسائي).
• غباره يكون مانعا من دخان جهنم:
أخرج النسائي أنَّ رسول الله ﷺ قال: “لا يجتمعُ غبارٌ في سبيل الله ودخانُ جهنم في جوفِ عبدٍ أبدًا.
• الأمن عند النفخ في الصور: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي اللَّهُ ﷺ : أنه سأل جبريل عليه السلام عن هذه الآية؟ ﴿ وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ﴾ )النمل: 87): “من الذين لم يشأ الله أن يصعقهم ؟ قال: هم شهداء الله” (الحاكم النيسابوري).
• أحياء عند ربهم يرزقون: قال تعالي: ﴿ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ ﴾ (البقرة: 154).
• الشهيدُ لم ينقطعْ عمله الصالح، بل يزيدُ ويتضاعف:
ففي حديث الترمذي أنه ﷺ قال: (كلُّ ميتٍ يُختَم على عمله إلا الذي مات مُرابِطًا في سبيل الله؛ فإنَّه يُنمَى له عملُه إلى يوم القيامة، ويأمنُ من فتنة القبر(صحيح أبي داود).
• لهم أجرهم ونورهم: قال تعالى: ﴿ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ﴾ )الحديد:19( .
• الفوز العظيم في الدنيا والآخرة :
قال تعالى﴿ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ (التوبة: 111).
• الفردوس الأعلى من الجنة: عن أم حارثة قالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة -وكان قُتِل يوم بدر أصابه سهم غرب-؛ فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، فقال: “يا أم حارثة إنها جنانٌ في الجنة، وإنَّ ابنك أصاب الفردوس الأعلى”( البخاري).
• الكرامة: روى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:َ “مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ الشَّهِيدُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنْ الْكَرَامَةِ “(رواه البخاري).
• يشفعون لأهلهم يوم القيامة: قال صلى ﷺ قال:” يُشَفَّعُ الشَّهِيدُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِه “(سنن أبو داود(.
• يزوَّج بثنتين وسبعين من الحور العين:
“يعطى الشهيد ست خصال: عند أول قطرة من دمه تُكفر عنه خطاياه، ويرى مقعده من الجنة، ويزوج من الحور العين، ويؤمن من الفزع الأكبر، ومن عذاب القبر”.(أخرجه البخاري).
رابعا: وفلسفة الحرب في الإسلام:
1- منها: ما يكونُ قبل الحربِ: إن من الأهداف السامية للحرب في الإسلام رفع الظلم، وبسط العدل، والعمل على نشر كلمة الله التي اتسمت بالسماحة والرحمة ولم يكن ابداً من أهدافها السيطرة والهيمنة وسفك الماء والتشفي من الأعداء: “وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْـمُعْتَدِينَ” (البقرة: ١٩٠).
2- ومنها: خلال القتالِ وأثناء التحامِ الصفوفِ ،وهي كثيرة وتدل على رحمة الإسلام، فقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الأعداءِ بالنار؛ لأن النار لا يعذب بها إلّا الله سبحانه، ونهي عن قتل النساء والأطفالِ والشيوخِ والعباد الذين هم في صوامعهم، ونهى عن قطعِ الأشجار وتخريب البيئة…، فاللهُ -سبحانه- يأمر بعدم الإفساد في الأرض وهذا منطبق على كل الظروف والأحوال بما في ذلك ساحات المعارك.
3- ومنها: بعد انتهاء المعركةِ: الابتعاد عن التمثيل بقتلى الأعداء ،ودفن قتلى الأعداء بعد انتهاء المعركة ،والإحسان للأسرى وإطعامهم وسقايتهم، وقد امتدح اللهُ –سبحانه- عباده الذين يطعمون الأسرى وقال فيهم:(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)(الإنسان : ٨). وحضَّ القرآن على المن على الأسير بحريته، وجعل المن سابقاً للفداء، فقال تعالى:(فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحرب أَوْزَارَهَا)(محمد: 4)، وكان رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يحسنُ معاملَة الأسرى ويترفق بهم، ويطلق من ينادى في المسلمين: (استوصوا بالأسارى خيراً).