الخلاصة في أحكام زكاة الفطر
إعداد فضيلة الشيخ
صبري علام
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف
تعريف زكاة الفطر:
(الزكاة في اللغة: النماء، والزيادة، والصلاح، وصفوة الشيء، وما أخرجته من مالك لتطهره به.
والفطر: اسم مصدر من قولك: أفطر الصائم إفطارا.
وأضيفت الزكاة إلى الفطر؛ لأنه سبب وجوبها، وقيل لها فطرة، كأنها من الفطرة التي هي الخلقة.
قال النووي: (زكاة الفطر، وصدقة الفطر، ويقال للمُخْرَج: فطرة، وهي اصطلاحية للفقهاء، كأنها من الفطرة التي هي الخلقة: أي زكاة الخلقة).
وفي الاصطلاح: (هي الصدقة تجب بالفطر من رمضان، طهرة للصائم: من اللغو، والرفث).
، فتلخص أن صدقة الفطر تجب على الأبدان فهي زكاة بدنية لا مالية، قال ابن تيمية: (وصدقة الفطر من جنس الكفارات هذه معلقة بالبدن وهذه معلقة بالبدن بخلاف صدقة المال فإنها تجب بسبب المال من جنس ما أعطاه الله).
حكمها:
زكاة الفطر واجبة ، فعن ابن عمر – رضي الله عنه – أن الرسول – صلى الله عليه وسلم -: “فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين”، وعن ابن عباس قال: “فرض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات” .
على من تجب؟
- قال ابن قدامة:: (وجملته أن زكاة الفطر تجب على كل مسلم، مع الصغر والكبر، والذكورة والأنوثة في قول أهل العلم عامة، وتجب على اليتيم، ويخرج عنه وليه من ماله، وعلى الرقيق).
- اختلفوا في لزوم النصاب: فذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى عدم اشتراط ملك النصاب في وجوب زكاة الفطر. وذهب الحنفية إلى اشتراط النصاب الذي تجب فيه الزكاة من أي مالٍ كان، والراجح قول الجمهور لحديث ابن عمر السابق، (فتجب على من يملك يوم العيد وليلته صاع، زائد عن قوته وقوت عياله، وحوائجه الأصلية).
- قال ابن المنذر:: (وأجمعوا على أن صدقة الفطر تجب على المرء إذا أمكنه أداؤها عن نفسه، وأولاده الأطفال الذين لا أموال لهم، وأجمعوا على أن على المرء أداء زكاة الفطر عن مملوكه الحاضر) واختلفوا فيما وراء ذلك كالزوجة والأولاد إذا كان لهم مال من ورث أو هدية.
- قال بعض العلماء المعاصرين: (فالصحيح أن زكاة الفطر واجبة على الإنسان بنفسه، فتجب على الزوجة بنفسها، وعلى الأب بنفسه، وعلى الابنة بنفسها، ولا تجب على الشخص عمن ينفق عليه من زوجة وأقارب، لحديث ابن عمر م أن الرسول – صلى الله عليه وسلم -: “فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين” فهو يدل أن زكاة الفطر فرض على كل مسلم في نفسه، ولأن الأصل في الفرض أنه يجب على كل واحد بعينه دون غيره…… لكن لو أخرجها عمن يعولهم برضاهم فلا بأس بذلك ولا حرج، كما لو قضى إنساناً ديناً عن غيره وهو راضٍ).
- ويستحب إخراج زكاة الفطر عن الحمل؛ لفعل عثمان – رضي الله عنه.
- وتخرج عن المملوك يخرجها سيده عنه؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((ليس على المسلم في فرسه، ولا في عبده صدقة إلا صدقة الفطر)) والأجير هنا يأخذ حكم المملوك.
- فائدة: الدَيْن لا يمنع زكاة الفطر، و إذا كان الإنسان مديوناً وطالبه صاحب الدين بدينه وليس عنده إلا صاع فإنه يعطيه الصاع و تسقط عنه زكاة الفطر.
الحكمة من مشروعيتها:
الرفق بالفقراء بإغنائهم عن السؤال في يوم العيد، وإدخال السرور عليهم في يوم يسر المسلمون بقدوم العيد عليهم، وتطهير من وجبت عليه بعد شهر الصوم من اللغو والرفث. فترفع خلل الصوم. فعن ابن عباس م قال: ((فرض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – زكاة الفطر، طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات).
مقدار زكاة الفطر وأنواعها:
مقدارها صاع من قوت البلد، وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أنه كان يقول: ((كنا نخرج زكاة الفطر: صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من زبيب))و التخيير هنا مراعاة لحال المتصدق والمتصدق عليه لأن هذه الأصناف لا تصلح في كل زمان ومكان والناس يختلفون غنا وفقرا.
قال ابن حجر::(وكأن الأشياء التي ثبت ذكرها في حديث أبي سعيد لما كانت متساوية في مقدار ما يخرج منها مع ما يخالفها في القيمة دل على أن المراد إخراج هذا المقدار من أي جنس كان، ولا فرق بين الحنطة وغيرها، وهذه حجة الشافعي ومن تبعه.
ومقدار الصاع بالكيلو ثلاثة كيلو تقريباً).
والصاع المقصود هو صاع أهل المدينة ؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – جعل ضابط ما يكال، بمكيال أهل المدينة كما في حديث ابن عمر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “المكيال على مكيال أهل المدينة والوزن على وزن أهل مكة” أخرجه أبو داود والنسائي بسند صحيح.
والصاع من المكيال، فوجب أن يكون بصاع أهل المدينة في زمن النبي – صلى الله عليه وسلم -. وقد وقفت على مدٍ معدول بمد زيد بن ثابت ت عند أحد طلاب العلم الفضلاء، بسنده إلى زيد بن ثابت ت فأخذت المد وعدلته بالوزن لأطعمة مختلفة، و من المعلوم أن الصاع أربعة أمداد فخرجت بالنتائج الآتية:
أولاً: أن الصاع لا يمكن أن يعدل بالوزن ؛ لأن الصاع يختلف وزنه باختلاف ما يوضع فيه، فصاع القمح يختلف وزنه عن صاع الأرز، وصاع الأرز يختلف عن صاع التمر، والتمر كذلك يتفاوت باختلاف أنواعه، فوزن (الخضري) يختلف عن (السكري)، و المكنوز يختلف عن المجفف حتى في النوع الواحد، وهكذا. ولذلك فإن أدق طريقة لضبط مقدار الزكاة هو الصاع…
إخراج زكاة الفطر بالقيمة:
ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا يجوز دفع القيمة؛ لأنه لم يرد نص بذلك؛ ولأن القيمة في حقوق الناس لا تجوز إلا عن تراضٍ منهم، وليس للصدقة مالك معين حتى يجوز رضاه أو إبراؤه.
وذهب الحنفية إلى أنه يجوز دفع القيمة في صدقة الفطر.
قال ابن قدامة: (ولا تجزئ القيمة؛ لأنه عدول عن المنصوص).
وقال ابن حجر في فتح الباري:
(وكأن الأشياء التي ذكرها في حديث أبي سعيد لما كانت متساوية في مقدار ما يخرج منها مع اختلافها في القيمة دل على أن المراد إخراج هذا المقدار من أي جنس).
وقال النووي في شرح مسلم:
(ذكر – صلى الله عليه وسلم -أشياء قيمتها مختلفة وأوجب في كل نوع منها صاعاً تدل على أن المعتبر الصاع ولا نظر إلى القيمة)، وقال الشوكاني في نيل الأوطار (تجب الزكاة من المعين ولا يعدل عنها إلى القيمة إلا عند عدمها وعدم الجنس).
وقال ابن تيمية في الاختيارات الفقهية:
(ويجزئه في الفطر من قوت بلده مثل الأرز وغيره ولو قدر على الأصناف المذكورة في الحديث ولا يجزئ إخراجها من الثياب والفرش والأواني والأمتعة وغيرها مما سوي طعان الآدميين لأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – فرضها من الطعام فلا تتعدي ما عينه الرسول – صلى الله عليه وسلم – كما أنه لا يجزئ إخراج قيمة الطعام لأن ذلك خلاف ما أمر به الرسول – صلى الله عليه وسلم -)، وذُكر عن ابن تيمية أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه، ولكنه رخص في إخراج القيمة للحاجة والمصلحة والعدل.
والخلاصة:
اختلف أهل العلم سلفاً وخلفاً في حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر على قولين مشهورين :
- ذهب جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه يلزمه إخراجها من قوت بلده ولا يجزئه إخراج القيمة .
واستدل الجمهور :
- بأن هذا هو الذي ورد في السنة النبوية، وزكاة الفطر من العبادات و الأصل في العبادات التوقيف فيجب الوقوف عند حدود النص، والدراهم والدنانير كانت موجودة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينص عليها.
- سُئل الإمام أحمد عن إعطاء الدراهم في صدقة الفطر، فقال: أخاف أن لا يجزئه، خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل له: قوم يقولون: عمر بن عبد العزيز كان يأخذ القيمة؟! قال: يدعون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولون: قال فلان!. قال ابن عمر رضي الله عنهما: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير،..}وأطِيعوا الله وأطيعوا الرسُولَ{.(المغني 4/295)
- وذهب الحنفية إلى جواز إخراج القيمة وهو مذهب عطاء والحسن البصري وعمر بن عبدالعزيز والثوري وهو الظاهر من مذهب البخاري في صحيحه، قال ابن رشيد: وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل. (فتح الباري 5/57)
قال أبو إسحاق السبيعي – وهو أحد أئمة التابعين- : أدركتهم وهم يؤدون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام . (رواه ابن أبي شيبة 3/65)
واستدلوا بأمور:
- أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة نص في تحريم دفع القيمة .
كما أن الأحاديث الواردة في النص على أصناف معينة من الطعام لا تفيد تحريم ما عداها، بدليل أن الصحابة -رضي الله عنهم- أجازوا إخراج القمح -وهو غير منصوص عليه- عن الشعير والتمر ونحو ذلك من الأصناف الواردة في الأحاديث.
- ما ذكره ابن المنذر من أن الصحابة أجازوا إخراج نصف الصاع من القمح؛ لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير، ولهذا قال معاوية: إني لأرى مُدَّين من سمراء الشام تعدل صاعًا من التمر فهم قدروه بالقيمة. (انظر فتح الباري 5/144)
- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أغنوهم -يعني المساكين- في هذا اليوم (السنن الكبرى 4/175)، والإغناء يتحقق بالقيمة، كما يتحقق بالطعام، فالمقصود هو إغناء الفقراء والمال أنفع لبعضهم من الطعام فيعتبر في ذلك حال الفقير في كل بلد .
فكثير من الفقراء يأخذ الطعام ويبيعه في يومه أو غده بأقل من ثمنه، فلا هو الذي انتفع بالطعام ولا هو الذي أخذ قيمة هذا الصاع بثمن المثل.
وهذا هو الراجح والله أعلم فيجوز إخراج قيمة زكاة الفطر إذا كان ذلك أنفع للفقير لا سيما في الدول التي يصعب إخراج الزكاة فيها طعاماً، أو تقل فائدتها ويضطر الفقير لبيعها والاستفادة من قيمتها، كما يجوز توكيل الأهل في الوطن بإخراجها عن المبتعث أو المسافر وإن كان الأولى إخراجها في البلد الذي أدركه العيد وهو فيه.
- الأولى إخراج زكاة الفطر من قوت البلد اقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
- يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر على الراجح إذا كان ذلك أنفع للمسكين.
يجوز توكيل أحد الأقارب بإخراج زكاة الفطر في وطنه الأصلي والأولى إخراجها في البلد الذي يقيم فيه زكاتك.
وقت زكاة الفطر:
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراجها قبل الصلاة، ولما رواه ابن عباس م أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ” من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ” ويجوز إخراجها قبل ذلك بيوم أو يومين لما رواه بن عمر م قال: (فرض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صدقة الفطر من رمضان..)، وقال في آخره (وكانوا يعطون قبل ذلك بيوم أو يومين) .فمن أخرها عن وقتها فقد أثم وعليه أن يتوب من تأخيره، وأن يخرجها للفقراء) .
مكان إخراجها:
- الأصل في ذلك قول النبي- صلى الله عليه وسلم -لمعاذ حينما بعثه إلى اليمن: ((… فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)).
- (والسنة توزيعها بين الفقراء في بلد المزكي، وعدم نقلها إلى بلد آخر؛ لإغناء فقراء بلده وسد حاجتهم) ونقل زكاة الفطر:(لا بأس بذلك يجزئ -إن شاء الله- في أصح قولي العلماء، لكن إخراجها في محلك الذي تقيم فيه أفضل وأحوط، وإذا بعثتها لأهلك؛ ليخرجوها على الفقراء في بلدك فلا بأس).
وقت إخراج زكاة الفطر:
1- يبدأ وقت إخراج زكاة الفطر من غروب الشمس ليلة عيد الفطر، إلى ما قبل صلاة العيد. 2- الأفضل إخراج زكاة الفطر يوم العيد قبل صلاة العيد، ويحرم تأخيرها عن صلاة العيد إلا لعذر. 3- زكاة الفطر عبادة من العبادات، من أدَّاها في وقتها فهي زكاة مقبولة، ومن أدَّاها بعد صلاة العيد وأخّرها من غير عذر، فهي عبادة قد فات محلها، وهو آثم بتأخيرها، فتكون صدقة من الصدقات، وإن كان معذورًا قضاها، ولا إثم عليه. عَنِ ابْنِ عُمَر رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ بِزَكَاةِ الفِطْرِ، قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ” (مُتفقٌ عليه؛ أخرجه البخاري برقم: واللفظ له، ومسلم برقم:
4- يجوز تقديم زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين؛ لأن بعض الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين. حكم إخراج زكاة الفطر بعد خروج وقتها:
- زكاة الفطر عبادة من العبادات، ولها وقت يجب أداؤها فيه، ويحرم تأخيرها عن وقتها إلا لعذر.
- زكاة الفطر لا تسقط بعد خروج وقتها؛ لأنها حق واجب للفقراء في ذمته، فلا يسقط عنه إلا بالأداء. أما حق الله في التأخير عن وقتها فلا يسقط إلا بالتوبة والاستغفار. مكان إخراج زكاة الفطر: زكاة المال تُخرج في بلد المال، وزكاة الفطر تُخرج حيثما كان الإنسان، ولا يُعدل عن ذلك إلا لحاجة ومصلحة.