بقلم دكتور هشام فخر الدين
عندما أراد الصينيون القدامى العيش في أمان؛ قاموا ببناء سور الصين العظيم اعتقاداً منهم بأنه لا يوجد من يستطيع تسلقه لارتفاعه، إلا أنه خلال المئة عام الأولى بعد بناء السور تعرضت الصين للغزو ثلاث مرات، وفى كل مرة لم يكن العدو فى حاجة إلى اختراق السور أو تسلقه، وإنما كانوا في كل مرة يقومون بدفع رشوة للحارس ثم يدخلون عبر البوابة، ومن هنا نجدهم انشغلوا ببناء السور ونسوا بناء الحارس. ومن ثم فبناء الإنسان يأتي قبل بناء كل شيء.
ومن ثم تعد عملية بناء العقول أهم من بناء الأبنية والتشييد، فالتعليم هو الطريق الوحيد للنهضة والتقدم، والسبيل الذي لا غنى عنه لمحاربة السموم والخرافات.
ومما لا شك فيه أن بناء أي مجتمع يكمن في بناء أبناءه، فبناء الإنسان من أهم عوامل النجاح والتقدم والرقي، ولا يتم ذلك البناء إلا بالتعليم الذي يعد السبيل الوحيد للرقى والتقدم ونهضة الأمم، ولنا في تجربة نظام التعليم في سنغافورة خير مثل.
فتعد هذه التجربة واحدة من أفضل التجارب في العالم، فهي تعد من التجارب الرائدة التي تستحق الوقوف عليها من أجل الاستفادة منها، حيث أدركت حكومة سنغافورة أن مهمة التربية والتعليم تكمن في تكوين وبناء الإنسان السنغافوري، لتجعل منه عنصراً قادراً على المساهمة في تطوير مستقبل بلده، حيث تسعى وزارة التربية والتعليم هناك إلى مساعدة الطلبة على اكتشاف مواهبهم، واستغلال طاقاتهم بأفضل شكل ممكن، والتعلم أكثر، وتحقيق نتائج جيدة.
فهو نظام تعليمي متقدم بشكل جاد وواقعي، يقوم على مدارس وكليات ومعاهد متطورة، وأساتذة أكفاء، وتجهيزات وبنية تحتية متطورة، فضلاً عن توفير فرصاً عديدة ومتنوعة للطلبة لتنمية قدراتهم ومواهبهم، بالإضافة إلى تميزه بالمرونة الكافية التي تمكنهم من توظيف كامل إمكانياتهم.
ومن ثم أولت الحكومة السنغافورية عناية بالغة بالتعليم، باعتباره ركيزة أساسية للتقدم والتفوق، وتم تخصيص خمس ميزانية الدولة للتعليم، على الرغم من معاناتها في الماضي من التدهور الاقتصادي والسياسي، وندرة الموارد الطبيعية بسبب الحروب والاستعمار، وما ألحقه بها من دمار قضى على الأخضر واليابس، إلا أنها تحدت الواقع حتى صنعت المستحيل، حيث أصبحت من أفضل دول العالم في التعليم.
حيث يوفر نظام التعليم في سنغافورة باختلاف أنواعه، سواء التعليم الخاص أو الحكومي أو الدولي؛ خيارات متعددة ومرنة في كل مراحله، بدءًا من مرحلة الحضانة والمرحلة الابتدائية وصولاً إلى المرحلة الثانوية وما بعدها.
فيهدف إلى بناء شخصية قوية للطفل، وتنمية مهاراته الاجتماعية، الأمر الذي يسهم في تحقيق نتائج جيدة أكاديمياً، ويتوافق مع احتياجات سوق العمل بعد التخرج، مع التركيز على التعليم الفني دون النظري وفقا لاحتياجات سوق العمل.
وذلك بعكس الواقع هنا حيث تبلغ مخرجات التعليم النظري 85% مقارنة بمخرجات التعليم الفني والذي تبلغ نسبته 15% ، مما لا يتوافق واحتياجات سوق العمل، ويزيد نسبة البطالة لأن 85% تعلموا تعليماً نظرياً لا يتطلبه سوق العمل، مع هوس مشروعات الجودة وتشكيل لجان وإهدار للمال العام وهى مجرد تستيف أوراق، فالمعادلة ليست صعبة والحلول كثيرة، ومن هنا جاء دعم القيادة السياسية للنظام التعليمى والاهتمام ببناء الإنسان ومواكبة مخرجات التعليم لحاجة سوق العمل بتوجه جديد.