مداغ – عبد العزيز اغرار :
إستعرض الدكتور منير القادري أهمية التربية على قيم العمل الاجتماعي والتضامني، مبرزا انعكاسها الإيجابي على وحدة وتماسك المجتمع، مبينا دورها الهام في تحقيق التنمية المستدامة.
جاء ذلك خلال مداخلته مساء السبت 26 من الشهر الجاري، في الليلة الرقمية التاسعة والخمسين، ضمن فعاليات ليالي الوصال الرقمية التي نظمتها مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال.
أكد في بدايتها أن مفهوم التضامن يرتبط بالاحترام والتقدير المُتَباَدَلَيْن بين كل البشر، وأن ما يشهده أي مجتمع من حالات الظلم أو عدم المساواة أو الفقر ما هي إلّا علامات لغياب ثقافة التضامن.
وأضاف رئيس مؤسسة الملتقى أن الإسلام بين أهمية التضامن في المجتمع عن طريق تشجيع وحث المسلمين على التكافل، مقدما نماذج للتضامن من العهد النبوي،
وزاد أن الإسلام أسس للتضامن المالي عن طريق النظام الإقتصادي الخاص به، الذي نصّ على إخراج الزكاة والصدقات وغيرها في سبيل تحقيق العيش الكريم لجميع مكوناته.
وأشار الى أن مِنْ سِمَاتِ المُجتَمَعِ الحَضَارِيِّ نَمَاء حَرَكَةِ العَمَلِ الإجتماعي والتضامني فيه ، وتابع أن الأَعمَال الاجتماعية عَامِلٌ رَئِيسٌ مِنْ عَوَامِلِ بِنَاءِ المُجتَمَعِ القَوِيِّ وَالمُتَقَدِّمِ، وأن التَّنَافُسَ فِي القِيَامِ بِمُبَادَرَاتٍ اجتِمَاعِيَّةٍ أَوْ ثَقَافِيَّةٍ أَوِ اقتِصَادِيَّةٍ، وفْق الأُطُرِ و الضوابط القَانُونِيَّةِ والشرعية، يُؤَدِّي إِلَى تَطَوُّرِ المُجتَمَعِ، وبالمقابل، نبه الى أن خلاف ذلك يجعل المُجتَمَعُ يُرَاوِحُ مَكَانَهُ، وَلا يَتَقَدَّمَ خُطْوةً نَحْوَ الأَمَامِ، وإنما سَيَعِيشُ فِي حَالٍ مِنَ التَّرَاجُعِ المُستَمِرِّ، وَالتَّقَهقُرِ إِلَى الوَرَاءِ.
وفي ذات السياق أوضح مدير المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، أن الدعم الإجتماعي يجب أن ينطلق من مجموعة من الأخلاقيات التي من شأنها أن تعطي المعنى الحقيقي له، والتي من بينها المساعدة في إنشاء مشاريع مدرة للدخل، التي تحفظ للناس كرامتهم وتقوي ثقتهم في المستقبل و تمنحهم الأمل في الاستقلال المادي والعيش الكريم كالتعاونيات الفلاحية وإنشاء المقاولات الصغرى و غيرها.
وشدد القادري على أن العدالة الاجتماعية هي اليوم شرط لازم للتنمية المستدامة، لما تضمه من مبادئ حقوق الإنسان والمساواة والمشاركة في الحقوق والمكتسبات، موردا في هذا الصدد مقتطفا من الخطاب الملكي السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة الذكرى الـتاسعة عشر لتربعه على عرش أسلافه المنعمين
” إن الشأن الإجتماعي يحظى عندي باهتمام وانشغال بَالِغَيْنِ ، كملك وكإنسان، فمنذ أن توليت العرش، وأنا دائم الإصغاء لنبض المجتمع، وللانتظارات المشروعة للمواطنين، ودائم العمل والأمل، من أجل تحسين ظروفهم.
وإذا كان ما أنجزه المغرب وما تحقق للمغاربة، على مدى عقدين من الزمن يبعث على الارتياح والاعتزاز، فإنني في نفس الوقت، أحس أن شيئا ما ينقصنا، في المجال الإجتماعي
فحجم الخصاص الإجتماعي، وسبل تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، من أهم الأسباب التي دفعتنا للدعوة، في خطاب افتتاح البرلمان، إلى تجديد النموذج التنموي الوطني .
فإننا نعتبر المبادرة الجديدة لإحداث “السجل الإجتماعي الموحد” بداية واعدة، لتحسين مردودية البرامج الاجتماعية، تدريجيا وعلى المدى القريب والمتوسط..”.
وأوضح رئيس مؤسسة الملتقى أن ” الإقتصاد التضامني والإجتماعي محوره الناس، وأنه منظومة تسخر الأدوات الإقتصادية في خدمة الغايات الإجتماعية وتحقيق الرفاهية والنمو للجميع،
وأن هدفها توفير الدعم الإجتماعي لمساعدة ومساندة الأشخاص الذين يعانون من صعوبة في حل المشاكل الناجمة عن الإقصاء والتهميش، سواء في القرى النائية والأحياء الهامشية، والقَطْعِ مع تقسيم وطننا إلى مغرب نافع ومغرب غير نافع لأن مغربنا وطن كله نافع و عزيز”.
واستطرد أن الشُّعُورَ بِإِرَادَةِ الخَيْرِ لِلآخَرِينَ، قِيمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ رَفِيعَةٌ، وَأَسَاسٌ مِنْ أُسُسِ النَّهْضَةِ القَوِيمَةِ، وَبِنَاءِ المُجتَمَعِ النَّابِضِ، وتابع شارحا َأن المُجتَمَعَاتُ الحَضَارِيَّةُ تقوم عليه،
لذلك لا تَجِدُ فِيهَا مَنْ يَخْتَرِقُ الصُّفُوفَ فِي المَحَافِلِ، أَوْ يُزَاحِمُ فِي طَوَابِيرِ الانْتِظَارِ لِيَكُونَ فِي الوَاجِهَةِ وَالمُقَدِّمَةِ، أَوْ لِيَقْضِيَ مَصلَحَتَهُ قَبْلَ مَصَالِحِ الآخَرِينَ، بَلْ يُدرِكُ جَمِيعُ أَفرَادِه أَهَمِّيَّةَ النِّظَامِ، وَمَعنَى التَّقَيُّدِ وَالالْتِزَامِ، وَأَنَّ المَصلَحَةَ العَامَّةَ أَولَى بِالتَّقْدِيمِ وَالاحتِرَامِ.
و أشار الدكتور منير الى أن أئمة التصوف على مر الأزمنة والعصور كانوا في مقدمة دعاة سبيل التراحم والتسامح، الذى نحن في أشد الحاجة إليه في زمن الظمأ الروحي وانتشار موجات الإلحاد والانحلال الأخلاقي أو الغلو و التطرف.
وأضاف أن رجال التصوف استطاعوا التأثير في المجتمع عبر سلوكهم التضامني ومذهبهم الأخلاقي، واعطائهم القدوة، وأن هذا السلوك تمظهر في سيرتهم من خلال حرصهم الشديد على فعل الخير وتكريسهم لمفهوم العطاء داخل النظام الاجتماعي، وأنهم أصلوا لهذا البعد الاجتماعي والتضامني من الناحية الشرعية، ومن الناحية السلوكية الأخلاقية باعتباره بابا عظيما من أبواب مجاهدة النفس والاهتمام بالشأن العام الجماعي.
وزاد أن النهوض بقيم المواطنة والتضامن والعمل من أجل الصالح العام هي قواسم مشتركة بين الطرق الصوفية وكافة المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني.
ونبه الى أن مجتمعنا الإسلامي في حاجة ماسة إلى استغلال القيم الأخلاقية للتصوف، مشيدا بالقيم النبيلة التي يتميز بها المجتمع المغربي وأهمها قيمة العمل التضامني ودورها في المحافظة على التماسك الاجتماعي الذي يعد دعامة للاستقرار بكافة أشكاله، مذكرا في هذا الصدد بالنماذج المغربية الصرفة التي أبدعها المجتمع المغربي، كالتويزة والوزيعة ….والعباسية التي تذكر بالشيخ أبو العباس السبتي الذي قال فيه إبن رشد: “هذا رجل مذهبه أن الوجود ينفعل بالجود”.
وفي ختام مداخلته أكد القادري أن هذه القيم تؤدي الى تنشئة جيل من الرجال بضمائر حية وقلوب وجلة ترى في كل ذي كبد رطبة صدقة،
وتابع “رجال يستخدمون كفاءاتهم في مواجهة التحديات الوطنية والظرفية العالمية وخدمة للمشروع التنموي الجديد مجندين وراء قائد الأمة جلالة الملك محمد السادس نصره الله”.