مداغ – يونس الناصري :
تجدد اللقاء مع ليالي الوصال الرقمية التي دأبت مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية، ومؤسسة الملتقى على تنظيمها بتعاون مع مؤسسة الجمال، من خلال تنظيم النسخة الرابعة والخمسين، والتي بثت مباشرة عبر الصفحتين الرسميتين لمؤسسة الملتقى على موقعي التواصل الإجتماعي “فيسبوك” و”يوتيوب”.
أفتتح هذا السمر العلمي والروحي ببث حصة من القرآن الكريم و الذكر مباشرة من الزاوية الأم بمذاغ، إقليم بركان ( الجهة الشرقية بالمملكة المغربية)، اشتملت على ختم سلك القران الكريم والأذكار وكتاب “دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في الصلاة على النبي المختار” للإمام الجزولي.
المداخلة العلمية الأولى ضمن فقرة “إضاءات حول قواعد الشيخ زروق في التصوف”، كانت للدكتور حكيم فضيل الإدريسي أستاذ التعليم العالي بجامعة الحسن الثاني، بين من خلالها أن علماء الاسلام كانوا حريصين أشد الحرص على تحري الدقة والأمانة العلمية فيما ينقلونه عن غيرهم ،
لافتا الى أنه لا يجوز للفرد من عوام المسلمين ،على قلة علمه واطلاعه ، أن يخوض فيما لا يحسنه من المسائل الشرعية، و أن يرجح فيها قولا لعالم على قول عالم آخر،
كما بين ان الخطأ من مقتضى الطبيعة البشرية، لا يسلم منه إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، وان الخطأ لا يستلزم الإثم وأن المجتهد المخطئ مأجور، كما بين انواع العلم من منقول ومعقول ومركب، وأوضح مفاهيم ومنزلة رتبة الإقتداء، والتقليد والتبصر والإجتهاد، والمذهب في العلوم الشرعية من منظور الشيخ زروق، وأبرز فضل علم التصوف المبني على اعتبار العمل وسلوك طريق المجاهدة لتنكشف لصاحبه ينابع العلوم والفهوم،
وأشار إلى أن الصوفية فرقوا بين العلم والحال، وأن مبنى العلم على البحث والتحقيق، ومبنى الحال على التسليم والتصديق.
فيما تناولت الدكتورة رشيدة عزام ،أستاذة التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط، في المداخلة العلمية الثانية ” آداب الاخوة في الله “،
مبرزة أهمية الأدب مع الأخوة وفضله في الطريق، وبينت أنّ علم التصوف أرسى مبادئ عدة للقيم والسلوك والأخلاق، وأن حُسْنُ الخُلُق أصْلٌ في أدب التعامل، وتتفرع عنه سلوكيات كثيرة،
وأضافت أنه بالأدب الظاهر يحصل الأدب الباطن الذي يعني التعظيم، وزادت أن سوء الأدب ينشأ عن عدم التعظيم المترتب عن ضعف المحبة، كما تطرقت الى آداب المريد مع إخوانه من حسن الظن في الصغير والكبير، وأن يجتهد في نفعهم وإيصال الفوائد لهم وييسر على معسرهم، وأن يؤثرهم و لا ينتصر لنفسه.
وتواصلت المداخلات العلمية بمداخلة باللغة الفرنسية، للدكتور نورالدين بويمجان، مفتش تربوي من مدينة فاس حول موضوع
« le soufisme et psychanalyse » .
بعد ذلك تناول الدكتور منير القادري بودشيش مدير مؤسسة الملتقى ورئيس المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم بالشرح والتحليل موضوع “اعمال القلوب وأثرها في حياة المؤمن “،
بين خلاله على أن الأعمال القلبية، هي التي يكون محلها القلب وتكون مرتبطة به، وأن أعظمها الإيمان بالله عز وجل، ومنها كذلك النية التي هي أساس العبادات، والمحبة وغيرها.
كما أوضح أن اختلال العبادات القلبية ربما يهدم العبادات التي تتعلق بالجوارح، وحذر في ذات السياق من الأسباب التي تؤدي الى فساد القلوب (كتعلقها بغير الله تعالى، والركون إلى الدنيا والاطمئنان بها مع نسيان الآخرة)، وأشار الى أهمية المحاسبة كعمل قلبي وأثرها الكبير في صلاح الأعمال.
واختتم مداخلته بالتأكيد على أن الطريقة القادرية البودشيشية تعي أن ثمرة صحبة الشيخ العارف بالله وحسن الظن بالله و بعباده و أن صلاح أحوال العباد و البلاد مرتبط ارتباطا وثيقا بصلاح القلوب، أما مداخلته الثانية فكانت باللغة الفرنسية تحت عنوان : «le sufisme, une école spirituelle de sagesse ».
بعد ذلك قدم الدكتور محمد الهاطي، استاذ التعليم العالي بجامعة محمد الاول بوجدة، مداخلة حول موضوع “تلويح تباشير القرب والوصل في زمن التباعد والفصل”، بين من خلالها ان ذكر الله تعالى يورث طمأنينة القلب وراحة النفس وانشراح الصدر عند الشدة والبلاء، كما بين ان التفكُّر في خلق الله سبحانه وتعالى، والتفكُّر في أركان الكون الواسع الرحيب، والتوكُّل على الله سبحانه، وقيام الليل، والصلاة والدعاء في كلّ موقع إلّا حالات متعددة من ذكر الله عزّ وجلّ، والواقع أنّ هذا هو حال اهل الله الذين يذكرون الله في كلّ وقت، وفي كلّ مكان، مستشهدا بآيات بينة وأحاديث نبوية شريفة واقوال للعلماء.
كما قدم الدكتور علي زكي، فقرة “كلمة الطريقة” باللغة الانجليزية، حول موضوع ” الصبر والتحمل في التصوف ” « Patience and endurance in sufism »..
وشهدت فعاليات هذا السمر الروحي مشاركة الدكتور محمد الساسي، مختص في طب الغدد، والذي عمد من خلال مداخلته باللغة الفرنسية الى تقديم مجموعة من التوضيحات والنصائح بخصوص موضوع “علاقة الصحة والروح
«Santé et esprit : quel lien ».
وتخللت هذه الليلة الروحية وصلات من النغم والمديح الصوفي لمسمعين من داخل المغرب وخارجه، شنفوا مسامع وقلوب المتابعين، ويتعلق الأمر بكل من حكيم خزران و محمد فركور من المغرب، ;المجوعة الرسمية للطريقة القادرية البودشيشية ومجموعات السماع الخاصة بمدينة الجديدة بالمغرب ومجموعة السماع بفلوريدا، بالإضافة لمجموعة البرعومات للطريقة بمداغ.
كما تم تقديم شهادات حية لمريدي الطريقة من خارج المغرب، الذين أبرزوا من خلالها الأثر الإيجابي للتربية الصوفية التي يتلقونها في الطريقة على حياتهم، ومن ضمن الشهادات التي تم إدراجها في هذه الليلة شهادة كل من البروفسور عدنان جيلاني، من مانشستر (انجلترا)، والمهندس برابح الياس مختص في المعلوميات من باريس (فرنسا).
كما تم عرض مقتطفات من حلقة برنامج “مملكة الاولياء” الذي يبث على قناة ميدي1تيفي، والتي خصصت للزاوية القادرية البودشيشية وشيوخها وهو برنامج خاص عن الأولياء الصالحين في المغرب و مدى إشعاعهم الروحي عبر القرون، مع مشاركة مثقفين و مفكرين بارزين من العالم الإسلامي، كما تم عرض عدة اشرطة توعوية اخرى من أبرزها شريط بعنوان : “القلب الحي” يوضح ان حياة القلوب متحققة بالاستجابة لأمر الله ورسوله،
فالقلب الحي هو الذي همه كله في الله، وحبه كله له، وقصده له، وشريط اخر توثيقي لمختلف المبادرات والأنشطة التي أشرفت عليها جمعية “EIDCHARITY ” المتكونة من مريدي الطريقة القادرية البودشيشية بأوروبا.
واختتمت أطوار هذا السمر الروحي بفقرة “من كلام القوم”، خصصها إبراهيم بلمقدم، باحث ومؤطر بمركز أجيال التابع للرابطة المحمدية للعلماء، لعرض مختارات من كلام العالم الزاهد عبد الوهاب الشعراني رحمه الله،
مختتما كلمته برفع الدعاء الصالح للبلاد ولملكها ولسائر المسلمين والبشرية جمعاء.