كتب: أحمد رشاد
لا خلاف بين العلماء في أنه يجوز للمؤذن أن يقول: ” الصلاة في الرحال ” أو ” صلوا في رحالكم ” أو ” صلوا في بيوتكم ” ، إذا كان هناك عذر من مطر أو وحل أو برد شديد أو ريح شديدة ؛ لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد جاءت السنة بتخيير المؤذن ، فإما أن يقول هذا القول بعد تمام الأذان ، وإما أن يقوله بدلا من قوله : “حي على الصلاة” .
روى البخاري (666) ، ومسلم (697) عَنْ نَافِع ، قَالَ : ” أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ ، ثُمَّ قَالَ : صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ : ” أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ ” فِي اللَّيْلَةِ البَارِدَةِ ، أَوِ المَطِيرَةِ ، فِي السَّفَرِ .
ففي قوله : ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ : ” أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ ” ، دليل على أنها تقال بعد الأذان .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الحديث : ” صريح في أن القول المذكور كان بعد فراغ الأذان ” انتهى من “فتح الباري” لابن حجر (2/ 113).
وروى البخاري (668)، ومسلم (699) واللفظ له ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَارِثِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ : ” إِذَا قُلْتَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، فَلَا تَقُلْ : حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ، قُلْ : صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ ” ، قَالَ : فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَاكَ ، فَقَالَ: ” أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا ؟! ، قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي ، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ ، فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ “.
وهذا الحديث صريح في أن قول : ” صلوا في الرحال ” يقال بدلا من “حي على الصلاة” .
وعلل ذلك العراقي رحمه الله ” بأنَّ قَوْلَهُ صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ ، يُخَالِفُ قَوْلَهُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ، فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَقُولَ الْمُؤَذِّنُ تَعَالَوْا ، ثُمَّ يَقُولُ : لَا تَجِيئُوا ” انتهى من “طرح التثريب” (2/ 320).
ونقل الحافظ ابن حجر العلة نفسها عن ابن خزيمة رحمه الله في قوله : ” إنه يقال ذلك بدلاً من الحيعلة ، نظرا إلى المعنى ؛ لأن معنى حي على الصلاة : هلموا إليها ، ومعنى الصلاة في الرحال : تأخروا عن المجيء ، فلا يناسب إيراد اللفظين معا ؛ لأن أحدهما نقيض الآخر “.
ثم رد ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله ، فقال : ” ويمكن الجمع بينهما -ولا يلزم منه ما ذكر- بأن يكون معنى الصلاة في الرحال : رخصة لمن أراد أن يترخص ، ومعنى هلموا إلى الصلاة: ندب لمن أراد أن يستكمل الفضيلة ، ولو تحمل المشقة ” انتهى من “فتح الباري” (2/113).
وقال النووي -رحمه لله- في ” شرح صحيح مسلم ” (5/207) : ” في حديث ابن عباس رضي الله عنه أن يقول : ألا صلوا في رحالكم. في نفس الأذان ، وفي حديث ابن عمر أنه قال في آخر ندائه .
والأمران جائزان ، نص عليهما الشافعي رحمه الله تعالى في “الأم” في كتاب الأذان ، وتابعه جمهور أصحابنا في ذلك ، فيجوز بعد الأذان ، وفي أثنائه ؛ لثبوت السنة فيهما ، لكن قوله بعده أحسن ، ليبقى نظم الأذان على وضعه ” انتهى.
وقال ابن مفلح رحمه الله ، بعد أن ذكر حديث ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم : ” فدل على العمل بأيهما شاء” انتهى من “الفروع” (3/63) .
ولكن هل يقول المؤذن ” حي على الفلاح ” بعد قوله ” صلوا في رحالكم “؟
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” ولكن هل نقول : حي على الفلاح ؟
نعم ، ربما نقول: حي على الفلاح ؛ لأن الإنسان مفلح ، ولو صلى في بيته ، والحديث ليس فيه إلا حي على الصلاة “. انتهى من “تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة” (2/ 36، بترقيم الشاملة آليا).