بقلم: أ . د / محمد عباس عبدالرحمن المغنى
أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية المساعد كلية أصول الدين القاهرة جامعة الأزهر
يسير المنهج الإسلامي مع المسلم فى كافة أحواله، وينظم له حياته فرحاً وترحاً؛ لأنه منهج صالح لكل زمان ومكان ، وشامل للفرد والمجتمع، فهو لا يحرم الإنسان الفرحة والبهجة والسرور، ولكنه يضع الضوابط التي تجعل فرحه عبادة، يتحقق بها الرقى الروحي والأخلاقي للإنسان؛ ليسعد في الدنيا والآخرة .
والعيد في الإسلام شعيرة إسلامية ، وشريعة تعبدية: فهو عبادة وطاعة ، حيث يستقبل المسلمون عيد الفطر في مشارق الأرض ومغاربها بالتكبير، والتهليل؛ شكراً لله على إتمام صيام شهر رمضان، ورؤية هلال العيد، عملاً بقوله تعالى (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) البقرة 185.ذلكم التكبير الذى يبدأ برؤية هلال شوال، وينتهى بصلاة عيد الفطر. والعيد في الإسلام سمفونية جمالية وتعبير بالمظهر العام عن فرحة المجتمع المسلم وتميزه فى أعياده عن غيره من المجتمعات والمدنيات، حيث يستقبله المسلم بالاغتسال، والتطيب، والتجمل فى الملبس والمظهر؛ استنانًا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد ” كَانَ يَلْبَسُ لِلْخُرُوجِ للعيدين أَجْمَلَ ثِيَابِهِ وَكَانَ لَهُ حُلَّةٌ يَلْبَسُهَا لِلْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ” زاد المعاد.
والعيد في الإسلام فرحة وبهجة: حيث يستقبل المسلمون عيد الفطر بفرح وسرور ؛ استبشار بموعود رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ، فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ)البخاري، وفرحته عند فطره فى يوم العيد فرحة فى النفس بانتصارها على هواها وشهواتها، وعتقها من النار، وفرحة فى المجتمع بالتواد، والتراحم، والتعاطف، والجود، والتوسعة على أهل الحاجات بالصدقات خاصة صدقة الفطر، والتي لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، وفرحة في الأمة بالتآلف، والمحبة، والاجتماع، بدأ من الاجتماع لصلاة العيد ؛ لتكتمل الفرحة الكبرى يوم لقاء الله تعالى يوم يناد الصائمون للدخول من باب الريان.
والعيد في المنهج الإسلامي بهجة للنفس، ومتعة للروح، وراحة للبدن بعد مشقة الصيام، وذلك باللهو الحلال واللعب المباح فى يوم العيد والذى أقره الإسلام فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا» وتضيف عائشة قائلة (وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ، يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالحِرَابِ، فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِمَّا قَالَ: «تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ؟» فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ، خَدِّي عَلَى خَدِّهِ، وَهُوَ يَقُولُ: «دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ» حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ، قَالَ: «حَسْبُكِ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «فَاذْهَبِي» رواه البخاري ، وفى هذا الموقف المهيب ما يدل على أهمية إظهار البهجة والفرح فى يوم العيد ، وإدخال السرور على الأهل والأولاد، وهذا من بعض الحكم والغايات التي شرعت لأجلها الأعياد فى الإسلام.
ومن معالم المنهج الإسلامي في الأعياد تبادل التهنئة بالعيد بين المسلمين بشتى العبارات الطيبة كقولهم (تقبل الله منا ومنكم) (عيد سعيد) (عيد مبارك) وغيرها من العبارات التي تُشعر بالفرحة والابتهاج ” فقد كان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل اللَّه منا ومنكم” ذكر ابن حجر فى الفتح وحسنه .
والعيد في المنهج الإسلامي فرصة طيبة للتواصل الاجتماعي، وصلة الأرحام، وتفقد أحوال الأقارب، والأصدقاء، والسؤال عنهم ، وتقديم يد العون للمحتاج منهم، ويمكن أن يتم التواصل فى زمن كورونا عن طريق الهواتف، ووسائل الاتصال الحديثة ، وبهذا تقوى الروابط الاجتماعية ويعم السلام على الجميع.