بقلم: د. محمود عبدالعزيز يوسف
أ. الفقه المقارن والشريعة الاسلامية
إعداد المرأة الطعام لأهل بيتها يدخل في أجر تفطير الصائمين
المرأة المسلمة، سواء كانت زوجة، أو أم، او بنت، أو عاملة منزل، فكما نعرف أن المرأة المسلمة تؤدي دورا كبيرا خلال شهر رمضان المبارك، بداية من إعدادها لطعام الإفطار، والسحور، ومرورا بتهيئتها الأجواء الروحانية الجميلة في المنزل. وإذا كانت المساجد في رمضان تفوح بالروحانيات من خلال الصلوات التي تؤدى فيها، والقرآن الذي يتلى من منابرها، والدروس التي تدار في زواياها، فإن الروحانيات أيضا تفوح من مطابخ المسلمين، من خلال ما تقدمه المرأة المسلمة من طعام للصائمين، ومنه (نصيب للفقراء والمساكين والجيران).
فالمرأة المسلمة التي تقوم بإعداد الطعام للصائمين (الأم، أو الزوجة، أو عاملة المنزل)، لها الأجر العظيم من عند الله تعالى، لما تقدمه من خدمة وتسهيل للصائمين في شهر رمضان، إن إعداد المرأة الطعام لأهل بيتها أثناء شهر رمضان يدخل في أجر تفطير الصائمين). فما أعظمه من أجر لكل امرأة تُعد طعام الإفطار أو السحور للصائمين من أهل بيتها، وتحية إجلال وتقدير لكل عاملات المنزل التي تحرث المطابخ بعد صلاة الظهر من كل يوم وإلى بعد منتصف الليل، الأمر الذي يكلف ربة المنزل وقتاً أطول دون استغلاله في قراءة القرآن، هؤلاء الجنديات المجهولات في المطابخ بمثابة رفع المعنويات بأن لهن مثل أجر الصائم القائم؛ ومن هذا المنطلق ينبغي على الرجال أن يقدروا ويثمنوا هذا العطاء الذي يتقدمه المرأة المسلمة من أجل تهيئة المكان والزمان للصائمين ليعبدوا الله حق عبادته، دون تعب أو تكلف.
وعليها استغلال الساعات التي تقضيها في المطبخ بكثرة الذكر والتسبيح والاستغفار والدعاء.
ومن نعم الله علينا في هذا العصر وجود إذاعة القرآن، وأشرطة القرآن، والمحاضرات المتوافرة في كل مكان، فيمكن للأخت المسلمة أن تسمع آيات الله طيلة وقتها، وتسمع كل خير عن طريق هذه الأجهزة. وكم من الأخوات لا يستطعن القراءة من المصحف، وعوضهنَّ الله بسماع هذه الأشرطة، فتزداد أجرًا وثوابًا بسبب سماعها، وبهذه الوسيلة يصبح البيت يدوي فيه القرآن دوي النحل، فقد كانت بيوت الصحابة مليئة بذكر الله جل جلاله فلنحرص على أن نكون مثلهم.
المرأة تصرف معظم وقتها في شهر رمضان المبارك في تلبية متطلبات أسرتها التي تزداد بشكل كبير في رمضان, ونتيجة لذلك تضيع عليها فرصة أداء الكثير من العبادات، وقد لا تشعر بروحانية هذا الشهر الكريم، ومع ذلك فإن من سماحة هذا الدين ويسره، ومن عظيم إحسان الله إلى عباده أن رتب لجميع الأعمال والعادات التي نقوم بها الأجر والمثوبة، وذلك إذا توفر فيها عامل احتساب الأجر والنية فيها، وكذا ربة المنزل في رمضان فالأعمال التي تتكرر يوميًا؛ كاعتنائها بزوجها وأطفالها، إذا احتسبت الأجر والثواب في فعلها، واستحضرت النية بأنها تقوم بذلك ليس على سبيل العادة والواجب والإكراه، وإنما طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فإنها تصبح عبادة ويحصل لها الأجر على ذلك بإذن الله.
وللاحتساب أهمية كبرى في حياة ربة المنزل للاستزادة من تحصيل الحسنات والأجر عند الله سبحانه وتعالى وما أجمل كلام ابن القيم رحمه الله في ذلك حيث قال: “أهل اليقظة عاداتهم عبادات، وأهل الغفلة عباداتهم عادات”. مفتاح دار السعادة، لابن القيم (1/160).
ولها إرسال إفطار للجيران والمحتاجين، وذلك لإدخال الفرح إلى قلوبهم ولتعميق العلاقات بين الجيران وتقديم المساعدة لهم، وحصد أجر إفطار صائم بتقديم بعض الوجبات إلى الصائمين في مسجد الحي.
المرأة الحائض في رمضان
تجلس المرأة إذا رأت الحيض في رمضان آسفة على ما عساه أن يفوتها من الفضل والخير. وكما هو معلوم فإن الحيض مرض عارض يمنع صاحبته مما كانت تفعله وهي صحيحة، فإذا أتاها وكان لها رصيد من العبادة، وعادة من الطاعة لم يمنعها من مواصلتها إلا الحيض فإنَّ لها من الأجر مثل ما كانت تعمل وهي صحيحة، يدل لذلك ما ورد في صحيح البخاري من حديث أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله “صلى الله عليه وسلم” قال: “إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا”.
والملاحظ أن الكثير من النساء ما أن يصبن بالحيض في رمضان أو غير رمضان حتى يغفلن عن ذكر الله، وعن استشعار روحانية هذا الشهر، وقد ينشغلن بالتلفاز أو غيره ظنًا منهنَّ جواز أن يضيعن أوقاتهنَّ بعيدًا عن روحانيات هذا الشهر ما دمن حُيضا، والنتيجة شعورهنَّ بالفتور بعد الطهر من الحيض، وقد تتقاعس المرأة عن أداء بعض العبادات التي كانت تؤديها قبل أن تحيض.
فإذا اجتنبت المرأة الحائض الصلاة والصيام فلا يضيرها بعد ذلك فعل كل ما ورد من برامج في هذه الرسالة، وخاصة فيما يتعلق بتلاوة القرآن الكريم فقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز قراءة الحائض للقرآن وهو مذهب الإمام مالك (المدونة: 1/151) ورواية عن الإمام أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “ليس في منع الحائض من القراءة نصوص صريحة صحيحة”، وقال: “ومعلوم أن النساء كن يحضن على عهد رسول الله “صلى الله عليه وسلم”، ولم يكن ينههنَّ عن قراءة القرآن، كما لم يكن ينههنَّ عن الذكر والدعاء. مجموع الفتاوى (18/110).
ويكون ذلك من غير مس للمصحف، أي من الحفظ أو تمس المصحف من وراء حائل كأن تمسكه بشيء منفصل عنه كخرقة طاهرة، أو تلبس قفازًا، أو تقلب أوراق المصحف بعود أو قلم ونحو ذلك.
هل يجوز للمرأة أن تصلي التراويح في المسجد؟
السنة للمرأة أن تصلي التراويح في منزلها، وهو أفضل، ولا بأس بأن تخرج إلى المسجد لأداء صلاة العشاء والتراويح لقوله “صلى الله عليه وسلم”: “لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهنَّ خير لهنَّ”. أخرجه البخاري، في كتاب الجمعة، هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم، رقم (858)، ومسلم، في كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة، رقم (442).
وإذا خرجت المرأة للصلاة في المسجد فلا يجوز لها أن تخرج متزينة أو متبرجة أو متعطرة لما في ذلك من المفاسد العظيمة، قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم”: “أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة”، أي صلاة العشاء. أخرجه مسلم، في كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة، رقم (444).
هل للمرأة أجر تفطير الصائم لإعدادها الطعام لأهل بيتها؟
الذي يظهر أن ثواب تفطير الصائم: لا ينحصر فيمن أطعم الطعام، وفطر الصائمين من ماله؛ بل إذا أنفق الرجل على ذلك من ماله، وكانت المرأة هي من طبخت الطعام، وأعدته للصائمين: فإن للرجل أجر ما أنفق من ماله، وسعى على تفطير الصائم، ويرجى للمرأة من أجر ذلك، أيضا: بما عملت، وتعبت، وأطعمت من صنع يدها. ويدل لذلك الأحاديث الآتية:
روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ: كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ ، وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ ، لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا .
وفي رواية للبخاري إِذَا أَطْعَمَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ: كَانَ لَهَا أَجْرُهَا ، وَلَهُ مِثْلُهُ ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ ، لَهُ بِمَا اكْتَسَبَ ، وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ .
فهذا الحديث يدل على أن للمرأة ثواب الصدقة، وكذلك الخازن، وإن كان المال هو مال الزوج.
وروى البخاري، ومسلم عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْخَازِنُ الْمُسْلِمُ الْأَمِينُ الَّذِي يُنْفِذُ، وَرُبَّمَا قَالَ: يُعْطِي، مَا أُمِرَ بِهِ، كَامِلًا مُوَفَّرًا ، طَيِّبًا بِهِ نَفْسُهُ ، فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ: أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ ” .
فيستفاد من هذه الأحاديث: أن المرأة تنال ثواب تفطير الصائم بإعدادها الطعام، ولزوجها مثله ، بل الذي يقوم بإيصال الطعام إلى الصائم : له ثوابه أيضا ، من غير أن ينقص أحدهم ثواب الآخر .
هل الأعمال التي تقوم بها المرأة المسلمة في رمضان من أعباء المنـزل له أجرٌ وثواب؟
من المعلوم أن المرأة تستنفد جزءًا كبيرًا من النهار في أعمال المنزل والطعام والشراب، والكثير من النساء يعتقدن أن هذا ربما يضيع عليهن الكثيرَ من العبادة والأجر الناتج عنها، إلا أن ذلك غير صحيح قطعًا؛ لأن عملها هذا جهاد وعبادة، فهي تساعد نفسها وغيرها علىٰ العبادة بإعداد الطعام، وتهيئة المناخ المناسب للعبادة، وبجانب ذلك يمكن لها أن تستثمر الوقت الذي تقوم فيه بأعمال المنزل بذكر الله تعالى، وكثرة الاستغفار، والاستماع للقرآن الكريم.
وما تفعله وهي صائمة له من الثواب العظيم والأجر بإذن الله تعالى وفضله، وهذا ما يجزي ويكافئ عليه رب العزة سبحانه وتعالى؛ فالصوم عبادة منفردة بذاتها، ولها أجرها وثوابُها، وهي خالصة الجزاء منه سبحانه وتعالى؛ فكما جاء في الحديث الذي رواه سيدنا أبو هريرة رضى الله عنه: قال رسول الله ﷺ: «قَالَ اللهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» متفقٌ عليهِ.