بقلم الكاتب والمفكر الإسلامى د. خالد راتب
يمر رمضان على الأمة الإسلامية كضيف عزيز، فيفرح به المؤمن فيه بفضل الله وبرحمته، فيصوم نهاره إيمانا واحتسابا، ويقوم ليله إيمانا واحتسابا ؛لأنه يعلم أن الصوم لله وهو يجزي به،:” كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله -عز وجل- إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزى به يدع شهوته وطعامه من أجلى للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك “.(متفق عليه ) فشعور الإنسان بالعبودية لله -عز وجل – والاستسلام لأمره وحكمه هو أسمى أهداف العبادة وأقصى غاياتها ، بل هو الأصل والأساس الذي ترتكز عليه حكمة خلق الإنسان :” وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ العالمين”( الأنعام : 71 ).
وصيام العبادة هو الذي يربي النفس ، ويعودها على الصبر وتحمل المشاق في سبيل الله ، فالصيام يربي قوة العزيمة وقوة الإرادة ، ويجعل الإنسان متحكماً في أهوائه ورغباته ، فلا يكون عبداً للجسد ، ولا أسيراً للشهوة ، وإنما يسير على هدي الشرع ، ونور البصيرة والعقل ، وشتّان بين إنسان تتحكّم فيه أهواؤه وشهواته فهو يعيش كالأنعام لبطنه وشهوته ، وبين إنسان يقهر هواه ويسيطر على شهوته .
كما أن صيام العبادة يربي في الإنسان المواساة والتكافل الإنساني بمعناه الشامل، ويجعل منه إنساناً رقيق القلب ، طيّب النفس ، ويحرّك فيه الإيمان، ويفجر فيه الطاقة الروحية ؛ليشعر بشعور إخوانه ، يشعر بألمهم وأحزانهم، فيعطي المحروم ويواسي الفقير، ويرحم الصغير ويعطف على المسكين، ويقف بجوار الضعيف…وتجود نفسه الخيّرة الكريمة بالخير والبر التي هذّبها شهر الصيام ؛لذا كان – صلى الله عليه وسلم -أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان حين يدارسه جبريل القرآن، عن ابن عباس – رضي الله عنهما- قال :”كان النبي – صلى الله عليه وسلم – أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل -عليه السلام- يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه النبي- صلى الله عليه وسلم – القرآن فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة “.( أخرجه البخاري).
هذا هو الصائم في رمضان الذي أمسك قلبه عن الشرك والحقد والغل والحسد وغير ذلك من أمراض القلوب، وغسل قلبه بالحب والود والتعاطف والتواد، فكان أنموذجا حيا لحديث رسوله صلى الله عليه وسلم:”مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ” . (متفق عليه). وبذلك يجعلنا الصيام وغيره من العبادات كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :”المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا “وشبك بين أصابعه .( متفق عليه).
إن الصائم الحقيقي الذي صامت جوارحه عن الحرام عن الغيبة والنميمة والبهتان وأدناس اللسان واليد والجوارح، كما صامت عن الحلال في الوقت الذي أمر في الله بذلك. صام إيمانا واحتسابا، وقام الليل في رمضان كله ولم تفتر عزيمته إيمانا واحتسابا، وقام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، قرأ القرآن وذكر الرحمن ودعا بالليل والنهار…وامتثل لأوامر ربه ورسوله صلى الله عليه وسلم واجتهد في العشر الأواخر من رمضان فجد واجتهد وشد المئزر، واعتزل النساء كل ذلك إيمانا واحتسابا وارضاء لربه.
هذا هو الصيام الحقيقي فهل نحن صائمون؟!!. هل من أطلق لسانه في أعراض الناس ولم يحفظ لسانه وجوارحه من الزور يعد صائما؟ عن أبى هريرة-رضى الله عنه- قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:”من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه”.( أخرجه البخاري).
هل من أمضى نهاره في النوم وتضييع حقوق الله والعباد يعد صائما؟ ورمضان شهر الجهاد والاجتهاد، وقد كان يجتهد فيه ما لا يجتهد في غيره، ويجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها” .( سنن الترمذي).
فلابد أن تسأل نفسك من أي الصائمين أنت؟. فهناك صنف صام عن الطعام والشراب والشهوات ولم يصم عن المحرمات، فكان صومه بهتانا وزورا .
فاحذر هذا الصنف . وهناك صنف ترك طعامه وشرابه وشهوته لله تعالى يرجو عنده عوض ذلك في الجنة فهذا قد تاجر مع الله ، والله تعالى يقول : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا ﴾.(الكهف:30). وصنف صام في الدنيا عما سوى الله فحفظ الرأس وما حوى وحفظ البطن وما وعى وذكر الموت والبلى .فمن أي الصائمين أنت؟!!.