بقلم: الكاتب والمفكر الإسلامي الدكتور خالد راتب
بين المولى -سبحانه وتعالى- الهدف الأساس من الصيام في قوله تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ “(البقرة:183)و تحقيق التقوى في أعمالنا أمر لازم وحتمي، فقد يعمل المرء أعمالا كثيرة عظيمة ولكن لا يقبلها الله؛ لأن الله لا يتقبل إلا ممن تجمل وتحلى بصفة التقوى، وقد صرح القرآن الكريم بذلك، قال تعالى:” إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ”(المائدة: 27)، وقال ابن عجلان : لا يصلح العمل إلا بثلاث : التقوى لله ، والنية الحسنة ، والإصابة .( جامع العلوم والحكم؛ لابن رجب ص13)؛ولأهمية التقوى في قبول الأعمال فلابد أن نعرف فضائلها، وبواعثها، ودراجاتها، وكيفية تنميتها في قلوبنا وأعمالنا.
يقول صاحب التسهيل (محمد بن جزي الكلبي): فائدة في فضائل التقوى المستنبطة من القرآن، والبواعث عليها، ودرجاتها:
أما فضائلها فهي :
- الهدى، لقوله تعالى: {…هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [سورة البقرة: 2].
- النصرة، لقوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ…} [سورة النحل: 128].
- الولاية، لقوله تعالى: {…وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [سورة الجاثية: 19].
- المحبة، لقوله تعالى: {…فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [سورة آل عمران: 76].
- المغفرة، لقوله تعالى: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [سورة الأنفال: 29].
- المخرج من الغم والرزق من حيث لا يحتسب، لقوله تعالى: {…وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} [سورة الطلاق: 2]. وتيسير الأمور، لقوله تعالى: {…وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [سورة الطلاق: 4].
- غفران الذنوب وإعظام الأجور، لقوله تعالى: {…وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [سورة الطلاق: 5]. وتقبل الأعمال، لقوله تعالى: {..إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [سورة المائدة: 27].
- الفلاح، لقوله تعالى: {…وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة البقرة: 189].
- البشرى، لقوله تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ…} [سورة يونس: 64].
- دخول الجنة، لقوله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [سورة القلم: 34].
- النجاة من النار، لقوله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا…} [مريم:22″[سورة مريم: 7]
وأما درجات التقوى فهي:
أن يتقي العبد الكفر، وذلك مقام الإسلام.
وأن يتقي المعاصي، والحرمات، وهو مقام التوبة.
وأن يتقي الشبهات، وهو مقام الورع.
وأن يتقي المباحات وهو مقام الزهد.
وأن يتقي حضور غير الله في قلبه وهو مقام الإحسان.
مراتب التقوى:
يقول أحد العلماء التقوى ثلاثة مراتب:
1-حماية القلب والجوارح من الآثام والمحارم.
2- حماية القلب عن المكروهات.
3-حماية القلب عن الفضول (أي حماية القلب عما سوى الله).
المرتبة الأولى تحقق سلامتك، والمرتبة الثانية تحقق سعادتك وتزيد قوتك ومنزلتك عند الله، والثالثة تجعلك في مقعد صدق عند مليك مقتدر مع المتقين الأبرار.
كيف ننمي تقوى الله في قلوبنا وأعمالنا؟
أولا: معرفة حقيقية التقوى: التقوى ليست شعارات وهتافات وادعاءات، وإنما هي حقائق وتصرفات، فالتقوى كما قال طلق بن حبيب، هي: ” أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجوا ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله “.وهذا أحسن ما قيل في حد التقوى. “.( زاد المهاجر؛ لابن القيم ص10).
ثانيا: استحضار فوائد التقوى وفضائلها ومراتبها ،وقد بينت هذا من قبل.
ثالثا: التعرف على صفات المتقين والتخلق بها، قال تعالى-في مطلع سورة البقرة-: { الم ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [لبقرة:1-5]
رابعا: أن تدع ما لا بأس به حذرا لما به بأس، عن عطية بن سعد -رضي الله عنه- وكان من أصحاب رسول الله r أنه قال : قال رسول اللهr : ” إن الرجل لا يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به بأس “( المستدرك على الصحيحين:4/355 ،وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.).
خامسا: الاجتهاد في الطاعة مع الإخلاص فيها، والتمسك بهدي النبيr ،والابتعاد عن السبل والطرق التي تؤدى إلى الانحراف عن المنهج والطريق المستقيم ، قال الله تعالى : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام: 153 ).
سادسا: معايشة حياة المتقين، من خلال قراءة سيرهم، ومصاحبة من يعينك على طاعة الله ويذكرك به.
سابعا: التفكر في أمر الدنيا والآخرة ، ومعرفة قدر كل منهما ، فالدنيا مهما عاش فيها الإنسان وتنعم ونال فيها أعلى المناصب فإنه سيتركها فهي عارض زائل أو كأضغاث أحلام!!
أما الآخرة فهي الباقية وهى المحطة النهائية التي يتحدد فيها مصير العبد،: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ”(الشورى:7).
ثامنا: الدعاء: عن أبي مسعود رضي الله عنه إن النبيr كان يقول: “اللهم أني أسألك الهدي والتقي والعفاف والغني”( أخرجه مسلم).