بقلم: د. محمود عبدالعزيز يوسف
أ. الفقه المقارن والشريعة الاسلامية
هل المعاصي التي يفعلها الصائم مثل الكذب والغيبة والنميمة هل تبطل صيامه؟
إن بعض الفقهاء قد قالوا: إن فعل المعاصي يبطل الصوم، وقد نقل هذا القول عن جماعة من السلف، وبه قال إبراهيم النخعي والأوزاعي واختاره ابن حزم الظاهري.
قالت حفصة بنت سيرين:( الصيام جُنَّة، ما لم يخرقها صاحبها، وخرقها الغيبة)، وعن أبي العالية قال:( الصائم في عبادة ما لم يغتب). وقال إبراهيم النخعي كانوا يقولون: (الكذب يفطِّر الصائم)
والصحيح في هذه المسألة أن المعاصي تؤثر في الصيام بنقصان الأجر والثواب، ولكنها لا تبطله كما هو مذهب جماهير أهل العلم.
قال الإمام النووي: “وقول المصنف ينبغي للصائم أن ينزه صومه عن الغيبة والشتم، معناه يتأكد التنزه عن ذلك في حق الصائم أكثر من غيره للحديث وإلا فغير الصائم ينبغي له ذلك أيضاً ويؤمر به في كل حال، والتنزه التباعد فلو اغتاب في صومه عصى ولم يبطل صومه عندنا وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد والعلماء كافة إلا الأوزاعي فقال يبطل الصوم بالغيبة ويجب قضاؤه”.
المجموع للإمام النووي 6/357.
وقال السفاريني:” ولا يفطر بالغيبة ونحوها، نقله الجماعة اتفاقاً. وقال الإمام أحمد رضي الله عنه: لو كانت الغيبة تفطر ما كان لنا صوم. وذكره الموفق إجماعاً، لأن فرض الصوم بظاهر القرآن الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، وظاهره صحته إلا ما خصه دليل”. غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب 1/171.
ويجدر التنبيه على حديثٍ باطلٍ يذكره بعض الناس وهو “خمس يفطرن الصائم: النظرة المحرمة والكذب والغيبة والنميمة والقبلة” فهذا الحديث لا أصل له بل هو مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن هذا الحديث فقال: هذا حديثُ كَذِبٍ، وقال الإمام الزيلعي: رواه ابن الجوزي في “الموضوعات “…وقال: هذا حديث موضوع، وقال ابن معين: سعيد كذاب، ومن سعيد إلى أنس كلهم مطعون فيهم انتهى.
وقال ابن أبي حاتم في “كتاب العلل “: سألت أبي عن حديث رواه بقية عن محمد بن الحجاج عن ميسرة بن عبد ربه عن جابان عن أنس أن النبي عليه الصلاة والسلام، قال:” خمس يفطرن الصائم “، فذكره، فقال أبي: إن هذا كذب، وميسرة كان يفتعل الحديث. نصب الراية 5/3.
وخلاصة الأمر: أن تزكية الأنفس من مقاصد الصوم وأن فعل المعاصي والآثام يخل بذلك ولكنه لا يبطل الصيام بل ينقص الأجر والثواب. فعلى الصائم أن يجتنب كل المحرمات ويلتزم بكل ما أمر الله سبحانه وتعالى به حتى تتحقق فيه معاني الصوم الحقيقية، وإن لم يفعل ذلك فإنه لا ينتفع بصومه ويكون نصيبه من صومه مجرد الجوع والعطش، والعياذ بالله.
حكم السب والشتم من الصائم
في رمضان إذا غضب الإنسان من شيء وفي حالة غضبه نهر أو شتم فهل يبطل ذلك صيامه أم لا؟
لا يبطل ذلك صومه، ولكنه ينقص أجره فعلى المسلم ن يضبط نفسه ويحفظ لسانه من السَّب والشتم والغيبة والنميمة ونحو ذلك مما حرم الله في الصِّيام وغيره، وفي الصيام أشد وآكد محافظة على كمال صيامه، وبعداً عما يؤذي الناس، ويكون سبباً في الفتنة والبغضاء والفرقة لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل إنِّي صائم» متفق عليه.
التلفظ بألفاظ السب والشتم بسبب الزحام
أثناء قيادة بعض الناس لسياراتهم وهم صائمون في رمضان، ومع اشتداد الازدحام يتلفظون بألفاظ نابية تصل إلى حد السباب والشتيمة لغيرهم، فما حكم صيام هؤلاء؟
أما الصيام فهو صحيح؛ وذلك لأن الأقوال المحرمة والأفعال المحرمة لا تبطل الصوم ولكنها لا شك تنقصه وتضيع فائدته وثمرته. فإن المقصود من الصوم تقوى الله عزّ وجلّ كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصّيام كما كُتب على الَّذين من قبلكم لعلَّكم تتَّقون) [البقرة:183].
فبين الله تبارك وتعالى الحكمة من فرض الصيام علينا وهي حصول تقوى الله عزّ وجلّ. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه». بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصائم إذا شاتمه أحد أو قاتله أن يقول: «إني امرؤ صائم» حتى يرتدع الساب والشاتم، وحتى يعلم أن هذا الصائم لم يترك الرد عليه عجزاً ولكن ورعاً وتقوى لله عزّ وجلّ؛ لأنه صائم والواجب على الصائم وغيره الصبر والتحمّل وألا تُثيره الأمور المخالفة لما تشتهيه نفسه. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله أوصني، قال: «لا تغضب» فردَّد مراراً قال: «لا تغضب». وأما أكثر من يندم على ما يصدر منه عند الغضب، ويتمنى أنه لم يكن قال أو فعل شيئاً كان بسبب الغضب، ولكن الشيء بعد نفوذه لا يمكن استرداده.
حكم النوم نهاراً والسهر ليلاً
هناك من يسهرون إلى الفجر ثم ينامون بعد أداء هذه الصلاة، حتى دخول وقت صلاة الظهر، فيؤدونها ليعودوا للنوم حتى العصر، وهكذا حتى يحين وقت الإفطار، فما حكم الإسلام في هذا السلوك؟
لا حرج في النوم نهاراً وليلاً إذا لم يترتب عليه إضاعة شيء من الواجبات، ولا ارتكاب شيء من المحرمات، والمشروع للمسلم سواء كان صائماً أو غيره عدم السهر بالليل والمبادرة إلى النوم بعد ما ييسر الله له من قيام الليل، ثم القيام إلى السحور إن كان في رمضان؛ لأن السحور سنة مؤكدة وهو أكلة السحر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تسحروا فإن في السحور بركة» متفق عليه
وقوله صلى الله عليه وسلم: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر» رواه مسلم
كما يجب على الصائم وغيره المحافظة على جميع الصلوات الخمس في الجماعة، والحذر من التشاغل عنها بنوم أو غيره.
كما يجب على الصائم وغيره أداء جميع الأعمال التي يجب أداؤها في أوقاتها للحكومة أو غيرها. وعدم التشاغل عن ذلك بنوم أو غيره. وهكذا يجب عليه السعي في طلب الرزق الحلال الذي يحتاج إليه هو ومن يعول، وعدم التشاغل عن ذلك بنوم أو غيره.
ونوصي الجميع بتقوى الله جلّ وعلا في جميع الأحوال، والمحافظة على أداء الواجبات في أوقاتها على الوجه الذي شرعه الله، والحذر كل الحذر من التشاغل عن ذلك بنوم أو غيره من المباحات أو غيرها. وإذا كان التشاغل عن ذلك بشيء من المعاصي صار الإثم أكبر والجريمة أعظم.
هل تحدُّث الانسان بكلام محرم في نهار رمضان يفسد صومه؟
إذا قرأنا قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كُتب عليْكُمُ الصّيام كما كُتب على الَّذين من قبلكم لعلَّكم تتَّقون) [البقرة:183]. عرفنا ما هي الحكمة من إيجاب الصوم؟ وهي: التَّقوى والتعبد لله سبحانه وتعالى. والتقوى وهي ترك المحارم وهي عند الإطلاق تشمل فعل المأمور به وترك المحظور، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه”.
وعلى هذا يتأكّد على الصائم اجتناب المحرّمات، من الأقوال والأفعال، فلا يغتاب الناس، ولا يكذب، ولا ينم بينهم، ولا يبيع بيعاً محرماً، ويجتنب جميع المحرمات، وإذا فعل الإنسان ذلك في شهر كامل، فإن نفسه سوف تسْتقيم بقية العام.
ولكن المؤسف أن كثيراً من الصائمين لا يُفرِّقون بين صومهم وفطرهم، فهم على العادة التي هم عليها من الأقوال المحرمة من كذب وغش وغيره، ولا تشعر أن عليهم وقار الصوم وهذه الأفعال لا تُبطل الصوم ولكن تنقص من أجره وربما عند المعادلة تُضيِّع أجر الصوم كله.