بقلم: د. سهير صفوت
أستاذ مساعد علم الاجتماع – كلية التربية – جامعة عين شمس
شهر شعبان منحة ربانية وهبها الله لأمة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ((فإن لله في أيام دهركم أياماً وأشهراً يتفضل بها الله على عباده بالطاعات والقربات ويمنحهم ليلة فيه عظم النبي صلى الله عليه وسلم شأنها في قوله (يطلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن) ، لذا فهي فرصة تاريخية لمحو الأحقاد من القلوب تجاه الأخوان والأقارب وكل من نحمل له في أنفسنا غلاً أو حقداً.
وإذا كان شهر رجب هو شهر الزرع فإن شهر شعبان هو السقي للزرع الذي سيحصد في رمضان ومن لم يزرع في رجب ولا يسقي في شعبان فكيف له أن يحصد في رمضان ، وتعهد الزرع وسقايته يعني العمل والتهيئة البدنية والنفسية ، والإيمانية لموسم الحصاد الذي سيحتاج إلى مجهود لذا لزم التوبة والإقبال على الله ، وسلامة الصدر ، وهذه أمور معنوية يقابلها أفعال مادية تتعلق بإكثار الصوم ولنا في رسول الله أسوة حسنة الذي كان أحب الصوم إليه في شعبان ، وهو يرجع إلى علة فحواها أنه الشهر الذي ترفع فيه الأعمال .
ففكر كيف تحب أن تُرفع أعمالك ؟ فشهر شعبان هو الموسم الختامي لصحيفتك وحصاد أعمالك .. بماذا تحب أن يُرفع عملك ، بكسلك وتقاعسك أم بعملك ، وما هو العمل الذي تحب أن تختتم به صحيفتك؟ .. هل تحب ما أحب رسول الله فإذا كنت ذلك المرء فهيا شمر سواعدك لتطرق أبواب الجنان ، ولأن الجنة أملاً تهفو له النفوس فالوصول إليها لا يكون إلا بإتباع سنته صلى الله عليه وسلم . وإذا كانت سنة رسول الله تحثنا على الصيام في هذا الشهر العظيم فهي تحثنا أيضاً على فعل الخيرات والصدقات وبذل الأنفس والأموال والأفكار لشحذ الهمم والطاقات لنصر الله وإعزاز شريعته ، ولكن كيف تفعل عبادتك ؟ أو كيف تحولها إلى عمل وممارسة .. كثيرة هي الوسائل التي تعلمناها من حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم ، أنظر حولك فستجد المساكين والأرامل فقم بقضاء حوائجهم ، فالساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم بالليل أو الصائم بالنهار فقد رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدر الذي يرعى شئونهم إلى درجة لا يتخيلها أي أجر ،
وكان رسول الله لا يستنكف أن يمشي مع الأرملة والمساكين فيقضي لهم حاجتهم ، ويدخل في زمرة ذلك الأيتام والإحسان إليهم فمجتمعاتنا الإسلامية تعُج بالأيتام وأعدادهم في تزايد مستمر ولا يختلف عنهم أطفال الفقراء وما أكثرهم في الأقطار الإسلامية فالتفاوت المهول بين الفئات الاجتماعية قد أفرز شرائح لا تزال في تزايد مستمر وهو ما أفرز معه فئات مشردة وأخرجت لنا أطفال الشوارع ونسلهم ، وهي مشكلة خطيرة أعلنت عن نفسها في المجتمعات الإسلامية، وهناك المرضى والمحتاجين لخدمات البنية التحتية ، فالأعمال كثيرة وهي تحتاج إلى مجهوداتك فإن كنت تملك الإمكانيات المادية واستطعت أن توظفها لخدمة مجتمعك ومصلحة المحتاجين فإن آثارها سوف تبدو على المجتمع فقد يشكل المال نقطة تحول في حياة الناس إذ قد تنقلهم من وضع سيء إلى وضع أفضل تُرفع به الأمة من أزماتها وتجدر الإشارة إلى حديث الفقراء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءوا يشكون من أن أهل الأموال يصلون ويصومون كما يصومون لكن الأغنياء يتصدقون والفقراء لا يتصدقون ، في هذا ميزة إضافية يتمتع بها الأغنياء مما يعطيهم فرصاً أكبر للأجر والمثوبة ، فالغني الذي يبذل في سبيل الله وينفق على الفقراء ويقيم المشاريع الخيرية يطول فضله شرائح كثيرة من أبناء المجتمع فالطالب يدرس في المدرسة التي أقامها المحسن ، والمريض يتعالج في المستشفى والجائع يشبع ، والعريان يكتسي ، والمشرد يجد ملاذاً يلجأ إليه ومسكناً يعود إليه.
وإن كنت لا تملك مالاً فإنك تمتلك طاقة إيمانية دافعة تستطيع أن تحتضن بها بقدراتك الشخصية والعلمية وما تملكه من نعم أنعمها الله عليك ولها صدقة يجب أن تؤديها وهي الشكر، (أعملوا آل داود شكراً) ، والشكر لا يكون بالصلاة فقط بل بالعمل ، فإن لم تكن تملك القدرة على العمل فالدعاء لإخوانك وبالكلمة الطيبة ، والنصيحة فهيا اطرقوا أبواب الجنان بالصيام والقيام والصلاة بالليل والطاعات والقربات وبالالحاح في الدعاء فإن أبا الدرداء كان يقول (جدوا بالدعاء فإنه من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له) وهي دعوة للتحفيز والاستعداد والتهيؤ بالوقوف على العتبات والأعتاب لعله يفتح عن قريب فترى نور الله القادم من شهر القرآن.