بقلم: حاتم السيد مصيلحي
كاتب وأديب
هو أشبه مايكون بالموت الفعلي، وخلاص مؤقت لهموم الحياة ومصاعبها، لا فرق فيه بين غني وفقير، أو كبير وصغير، فالكل يسلم روحه له عن طيب خاطر، وتتجافى عينيه عن رؤية من حوله حين تداعب رسل النوم أجفانه، ويثقلها النعاس، فينقطع عمن حوله، ويذهب في ثبات عميق، منتقلا من واقع الحياة إلى حيث الرؤى والأحلام، يزور فيها الأموات والأحياء، يسمع إلى الأقوال ويعقلها، ويرى الأفعال ويشارك في أحداثها، فيقبض قلبه لفعل، ويطير لأمر، ويهبط خشية، ويعلو لفرح أو دهشة، يطوف بأرجاء الأرض غير مقيد بزمن أومسافة أو مكان، فيرى مالم تره عين، ولاخطر على قلب، فتحمله البشريات إلى مصاف الملائكة الأطهار، وترفعه إلى درجة المقربين الأبرار.. أو يطوف به طائف من شيطان، فينزله من علياء السماء إلى أسافل الأرض فيجوع فيها ويشقى، ويصارع فيها الحياة فتصرعه مرة فتقويه، وترفعه أخرى فتطغيه، وفي كل مرة يخرج الإنسان بتجارب تكون محل الرواية والحكاية.
إنه النوم الذي لاينفك الإنسان عن طلبه؛ ليجدد نشاطه، ويستعيد قوته ولياقته لمواصلة الحياة.. والموت هو انتقال من حالة المكابدة المستمرة والشقاء المتواصل تعتصره السكرات، ويخرق الحجب، وتتسع الأحداق، إلى راحة أبدية، وخلاص من قيد الجسد الفاني، وتحليق الروح في الفضاء الواسع حيث الجنان.
فالتعيس من تعلق بمحل لا محالة تاركه، والسعيد من حل فيه منطق الفناء، فتشبث بأذيال التوبة، وتطهر بحسنات الأوبة، ليخلد ويتنعم في الرضوان.