بقلم: فضيلةالشيخ مكرم عبداللطيف
مدير عام أوقاف كفر صقر بالشرقية
مجمل الأسطورة : “” أن علجاً من الروم أهان امرأة مسلمة فصرخت: وامعتصماه!! ؛فحركت صرختها غيرة المعتصم وغضبه فأوطأ جيش المسلمين أرض الروم أخذا بثأر المرأة التي استنجدت به، وهدف الأسطورة تقديم مثل صالح قدوة لقادة المسلمين لتعود للإسلام عزته. نقول هذه واحدة من الروايات التي يتفنن وعاظ وخطباء الفكر الحركى لاصحاب الحركات (الجماعات) في نحتها والتغني بها – و لكن ذلك لا يجعل المعتصم تجاوز الله عنا و عنه قدوة صالحة للراعي المسلم و لا للرعية المسلمة للأسباب التالية: 1) لم يذكر المعتصم بشهرته بالعلم الشرعي،ولا غير الشرعى بل قالت عنه كتب الأعلام أنه كره العلم في صغره و مات شبه أمي، (انظر : سيرة الأعلام للذهبي -والأعلام للزركلي) 2) غزو المعتصم في بلاد الروم و فتح عمورية
– كما يذكر التاريخ – ليس من القتال في سبيل الله إذا صدق كتاب التاريخ في الرواية؛ فجيش المسلمين وأنفسهم وأموالهم لا تعرّض للأخطار و الأهوال غضباً لأشخاص مهما كان قدرهم فضلا عن امرأة مجهولة الهوية ولا من أجل الحماية ولا لإظهار الشجاعة، وإنما يكون القتال لفرض واحد: (أن تكون كلمة الله هي العليا ، ) قال الله تعالى: {و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}، و قيل للرسول صلى الله عليه و على آله وسلم: الرجل يقاتل شجاعة و يقاتل حمية ، و في رواية : و يقاتل غضباً ، فمن في سبيل الله ؟ فقال النبي صلى الله عليه و آله وسلم: “من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله” متفق عليه. 3) لوكان مجرد الغزو والفتح مثالاً لكان يزيد تجاوز الله عنا و عنه ابن معاوية رضي الله عنه أولى منه باتخاذه قدوة؛ فهو من كبار الطبقة الأولى من التابعين و ثاني ولاة المسلمين بعد عصر الخلفاء الراشدين ، عهد إليه بالولاية والده معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما (أحد كبار الصحابة ورواة الحديث، و استكتبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واستعمله في القيادة والولاية أبو بكر و عمر و عثمان رضي الله عنهم أجمعين)، و فتح الله في عهد يزيد على المسلمين المغرب الأقصى و بخارى و خوارزم، و هو أول من غزى القسطنسطينية، و كان أمير جيش المسلمين في هذا الغزو، و من بينهم بعض الصحابة مثل أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه و عنهم أجمعين، و قد صح الحديث عن ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على أول جيش يغزوها و على أميره.
و لكن العلماء المحققين يقفون من أمثال يزيد و المعتصم موقفاً وسطاً فهم لا يحبونهم ولا يسبونهم تجاوز الله عمن مات لا يشرك بالله شيئاً. 4) المعتصم تجاوز الله عنا و عنه أحدث من الفتنة في الدين شراً مما نسب إلى يزيد من القتل في المدينة النبوية، قال الله تعالى: {و الفتنة أشد من القتل}، و ما افتراه عليه بعض فرق الضلال من الأمر بقتل الحسين رضي الله عنه؛ فقد امتحن المعتصم علماء الإسلام،وعذبهم وبخاصة الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله- بفتنة خلق القرآن التي بدأت في عهد أخيه المأمون و استمرت في عهد ابنه الواثق، حتى جاء ابنه المتوكل فأزالها و انتصر للسنة و لإمام السنة و أخرجه من سجن الثلاثة تجاوز الله عنا و عنهم-و رفعه إلى المقام الذي يليق به في صدر مجلس الملك و الحكمة، جزاهما الله عن الإسلام و المسلمين خير جزائه. 5) إذا سلمنا بما أورده المؤرخون عن هذا كله؛ فكيف يقر من وهبه الله نعمة الإسلام والعقل: أن انتصار ولي أمر المسلمين لرواية ظنية عن امرأة مجهولة الحال أرجح في ميزان العدل و الإيمان من انتصاره للسنة و منهاج السنة و أئمة السنة؟.
لقد أوصل الفكر و الحركية – بقلة نصيبهما من العلم و التثبت أكثر شباب الصحوة في العقود الأخيرة إلى مثل ما أوصل الجهل و التقليد من قبلهم إليه من الضلال عن منهاج النبوة في الدين و الدعوة؛ وإن نظرة صادقة واستقراء محققاً للقضايا التي تحرك لها دعاة الفكر والحركية وأتباعهم، وبذلوا فيها أموال المسلمين وجهودهم وحماسهم-بل و دماءهم – في العقدين الأخيرين، لتبين أن المحرك الأول و الأخير: كسب الأرض باسم الدين لا الدين نفسه”” وانا لله وانا اليه راجعون (اللهم رد المسلمين الى دينهم ردا جميلا).