كن مسلمًا وكفى
بقلم/ عبد الرحمن علي البنفلاح
كيف تكون مسلمًا؟ سؤال مصيري يجب على كل مسلم أن يطرحه على نفسه. هل يكفي أن يؤدي المسلم أركان الإسلام التي أمرنا بها رسول الله في حديثه المشهور: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت وصوم رمضان» متفق عليه من رواية ابن عمر رضي الله عنهما.
هل يكفي إقامة هذه الأركان ليكون المسلم مسلمًا حقا أم أنه لا بد من متعلقات لهذه الأركان لا تبني ولا تستقر ولا تدوم إلا بها؟ فقد يصلي المسلم ويزكي إذا توفرت فيه شروط المزكين وقد يصوم حال الصحة والإقامة، وقد يحج إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً ورغم ذلك، فهو عاق لوالديه أو أحدهما، مسيء إلى زوجه وعياله، وخاصة إذا كان لديه أكثر من زوجة وهو سيئ الخلق مع جيرانه لا يرون منه خيرًا ولا يعرف لهم حقا فلا يعودهم عند مرضهم، ولا يواسيهم في أحزانهم، ويرفع جدار بيته ليمنع الهواء عنهم، بل يخرج ابنه ليغيظ ابن جاره فيما توافر لديه من النعم وحرم منها الآخرون.
هل مسلم حقا يسلم الناس جميع الناس من لسانه ويده، فتمتد يده بالمصافحة والمسالمة، وينطلق لسانه بكل خير، ويسعى بينهم بالصلح والمؤاخاة؟
هل يكفي أيها المسلم أن تطيل الركوع والسجود، وأن ترائي الناس فيما تبذل لأصحاب الحاجات من العطاء؟ فاعلم إذن أن عطاءك مردود عليك. ليس هذا فحسب بل إنك سوف تعذب به يوم القيامة، ويكون حسرة عليك لأنك لم تعط لله تعالى، ولم تمنع فيه، وهذا ما حذر منه الرسول الأعظم المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم: «أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاته وصيامه وزكاته وقد شتم هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يعطي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار» رواه ابن حبان في صحيحه.
إياك أن تكون أيها المسلم مفلسًا رغم ما تنوء بمفاتح خزائن حسناتك العصبة أولوا القوة، ولكنه سوف تكون هباءً منثورًا حين يتغلب رصيدك من السيئات على رصيدك من الحسنات، فبادر أيها المسلم العاصي، الظالم لغيرك إلى التخفف من الذنوب، وسارع إلى أداء الحقوق إلى أصحابها في الدنيا قبل الآخرة لتصفو صفحات سجلك من السيئات وعندها القليل من العمل الصالح سوف ينجيك لأن الحق سبحانه وتعالى يعطي على القليل الكثير، بل هو جل جلاله وتقدست اسماؤه وصفاته عند المحاسبة يتخير من طاعاتك أجمعها لخصال الخير فيكافئك عليها ويفعل ذلك مع سائر طاعاتك وإن لم تبلغ في حسن الأداء وتمامه الدرجة التي ترجوها، وفي العفو والمسامحة والغفران يختار لك من الذنوب أعظمها ليغفرها لك، ومن باب أولى فهو يغفر اللمم، مصداقًا لقوله تعالى: «ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون» (الزمر 35).
أيها المسلم كن مسلمًا… وربما يعجب القارئ من هذا النداء فإذا كان المسلم في مبدئه مسلمًا فما الداعي أن نطلب منه ونلح في الطلب أن يكون مسلمًا؟ نقول لهذا المتعجب المندهش: هناك ظاهر للمسلم وهناك باطن له، فقد تؤدي الأركان وقد تبدو في أعين الناس أنك مسلم، ولكنك في حقيقة الأمر لم تُفعِّل إسلامك في مجتمعك والتفعيل لا يأتي بمجرد أداء الطاعات إلى سلوك اجتماعي، ألم يقل الحق سبحانه وتعالى: «اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون» (العنكبوت 45). فحين تنتهي عن الفحشاء والمنكر فأنت مسلم حقًّا، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» متفق عليه.