ضياء لا يغيب
قصة قصيرة للأديب
محمد الشرقاوي
ما زال السوق الأسبوعي للقرية مكتظا بالبائعين وما زال الناس يتوافدون رغم دخول الليل ، لكن المصابيح المعلقة في أعمدة الإنارة المتراصة على الجانبين قامت بمطاردة الظلام وفرشت الأرض ضياء شديدا جعل الوقت كالنهار تماما وهذا أحد سببين هامين لاستمرار الزحام من أهل القرية والقرى المجاورة ، أما السبب الثاني وهذا هو الأهم فيكمن في منافسة التجار لبعضهم البعض من خلال تخفيض الأسعار قليلا حتى لا تمكث السلع لنفس الموعد من الأسبوع المقبل فيفسد الكثير منها .
هناك على أحد الجوانب وبجوار عم حسين بائع الخضروات والفاكهة –والذي يقيم في هذا المكان منذ سنوات عديدة وقد عرف عنه الصدق والأمانة وجودة السلع — يجلس الشاب الصغير منتصر وأمامه سلة صغيرة بداخلها بعض الأسماك متوسطة الحجم والتي قام بصيدها بعد نهاية يومه الدراسي لكنها استغرقت منه وقتا ليس قليلا مما اضطره للحضور قبيل المغرب ، تمر الدقائق تلو الأخرى ولكنه لا يفقد الأمل في بيعها لأن والده لا يجد عملا منذ سبعة أشهر عندما تم تصفية الشركة التي عمل موظفا بها طيلة خمس وعشرين سنة وما زالت حقوقه المادية لم يفرج عنها بعد .
يتوافد الزبائن نحو عم حسين لشراء الخضروات فيبيع لهم بكل سماحة وبشاشة ثم يعرض عليهم شراء تلك الأسماك من صديقه الشاب وذلك لحبه له وتعاطفه معه مما يلفت أنظار منتصر فيبادره قائلا :
– لا أدري كيف أشكرك يا عم حسين ، قلما يوجد مثلك في هذا الزمن ، إنك ضياء لا يغيب أبدا .
– يرد عم حسين : لماذا يا بني ! ما زال الخير وفيرا وما زال النبلاء كثيرين وأنا أعلم جيدا حسن سلعتك ، كن دائما واثقا في ربك فما دام سعيك بشرف وكرامة فلن يخذلك الله أبدا .
بمرور الوقت تبدو ملامح القلق على وجه الفتى خاصة بعد مغادرة عدد كبير من البائعين وكذلك عدم توافد زبائن جدد ، يلتفت عم حسين فيدرك مدى قلق منتصر ومدى حاجته للمال وما يعانيه من شعور بخيبة الأمل فيشير إليه قائلا :
– عليك بمراعاة المكان وقم بالبيع بدلا مني ، سأعود خلال دقائق .
– كما تحب يا عم حسين . هكذا كان رد منتصر محاولا إظهار ابتسامة خفيفة يخفي خلفها مشاعر القلق التي أحاطت به وكم الأسئلة التي اقتحمت عقله بلا مقاومة .
لحظات قليلة يعود بعدها عم حسين وهو ممسك بهاتفه المحمول قائلا : نعم لدينا أسماك طازجة سأحضرها لكم ، يسمع منتصر هذا الكلام فيعود إليه الأمل ويرقص قلبه فرحا وينظر إليه نظرات حب وإعجاب ويسأله متشوقا للإجابة : من هؤلاء يا عم حسين ؟
يرد الرجل : هؤلاء جيراني وقد طلبوا مني أسماكا طازجة ولذلك سأشتربها منك لكي أعطيها لهم بنفس الثمن فلا تجاملني لأنها ليست لي ، يتم البيع برضا كامل من منتصر ثم ينصرف الجميع ولا يدري الشاب أن حوار الهاتف الذي رأه كان من طرف واحد.