رؤية فلسفية نحو الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة
مقال للدكتورة
فاطمة بكر
في البداية لابد أن نشير إلى أن الفلسفة تهتم بدراسة الأطفال التي توجد لديهم مشكلات سواء كانت ( إجتماعية أو حسية أو عقلية )، قادرين على تجاوز أي عقبات ، بل تعمل على تحسين الأوضاع في حياتهم حتى يتسنى لهم العيش حياة كريمة ، حياة طبيعية ، وذلك من خلال المساهمة في تنمية قدراتهم ، ويتم ذلك عن طريق تدعيم برامج لهؤلاء الأطفال في حدود قدرتهم .
ولكن السؤال هنا ماذا نعني بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ؟
(الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ):- هم الذين لا يستطيعون ممارسة بعض الأنشطة ، وقد لا يستطيعون اكتساب الخبرات مثل الشخص العادي ، ويكمن الاختلاف هنا من حيث القدرات (الاجتماعية أو الحسية أو العقلية) .
ولكن فالنتفق معا ، أن الطفل مهما كانت إعاقته ، هو إنسان في المقام الأول ، لابد أن يحصل على كامل حقوقه في المجتمع ، فمهما كانت المشكلة لدية فهو إنسان لابد أن نحمل له كل تقدير واحترام ، لا نقلل من شأنه ولا قيمته في المجتمع ، لذلك لابد أن يحصل الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة على حقوقهم كاملة مثلهم مثل أي طفل في المجتمع ، لأن حقوق الإنسان لا تفرق بين طفل وآخر مهما كانت قدراته ، لأن الطفل المعاق في المقام الأول هو إنسان ، لابد أن نحفظ له كرامته ونوفر له حياة كريمة آمنة .
ولكن السؤال هنا هل جميع الفلاسفة اتجهوا إلى الدفاع ومساندة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة أم كان لهم رأي آخر؟
فلنتفق معاً أن كل فيلسوف له وجهة نظر خاصة به ، من خلالها يتوصل إلى تفسير أو حل مشكلة معينة ، لذلك (كان لهم بالفعل آراء مختلفة حول نظرتهم ( للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ) ، أو بمعنى آخر اختلفت وجهة نظرهم في الحرية والمساواة .
فعلى سبيل المثال (أفلاطون) عندما اتجه إلى بناء (دولة مثالية فاضلة) ذهب إلى أن وجود المعاقين يؤدي إلى حدوث إضعاف للدولة ، لذلك نراه قد ذهب إلى ضرورة إبعاد المعاقين ، حتى لا يوجد في الدولة سوى الحكماء والقادرين فقط على الدفاع عن الدولة .
لذلك نراه في نظرية التربية قد اتجه إلى ضرورة توافر مؤهلات صحية وعقلية والعمل على تنميتها للأطفال منذ النشأة .
ونفس الموقف نراه بالنسبة (لأرسطو) ، لم يختلف كثيرا عن أفلاطون ، فعندما تناول أرسطو وضع حلول لعدم زيادة السكان في الدولة ، نراه قد اتجه إلى بعض الإجراءات التعسفية منها ( إجهاض الأمهات ، إعدام الأطفال ناقصي النمو المشوهين، وفاسدي الأخلاق ) ، في حالة زيادة عدد السكان عن الحد المطلوب.
كل وجهات النظر السابقة المختلفة في طريقة رفض (الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة) ، والمتوافقة على مبدأ التخلص منهم ، جميعها تدعو إلى القضاء على الإنسان بالفعل ، وجميعها إجراءات تعسفية ، لا تعترف بوجود (مثل تلك الأطفال)، من هنا، نذهب إلى ضرورة رفض مثل تلك الآراء التي تقضي على (حقوق الإنسان) ، وتسعى إلى إهانة إنسان في المقام الأول لابد أن يحصل على حقوقه كاملة ، فكل تلك الإجراءات التعسفية مرفوضة تماماً وضد حقوق الإنسان.
كيف يمكن أن أحكم على إنسان بمجرد (وجود قصور في قدرة معينة لديه) ؟ كيف أجرده من حقوقه ؟ كيف أستهين به ؟ هذا الإنسان له حقوق في المجتمع لابد أن يحصل عليها (دون تفرقة ) .
فالنعمل معاً نحو تحقيق (الدمج التربوي) ، من خلال تحقيق (أهم بنود حقوق الإنسان) ، وهي إعطاء الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة فرصة في نظام التعليم ، من خلال اتباع أساليب ووسائل تعليمية تساعد الطفل حتى تؤهله لأن يواجه مشكلاته .
وذلك لن يتم إلا من خلال الجمع بين كل الأطفال في فصول دراسية بعضهم ببعض دون تفرقة ( اجتماعية ، عقلية ، جسدية)، مع مراعاة أن نُدرب المعلمين على كيفية إقامة موازنة في التعامل بين جميع الأطفال على السواء دون الإحساس بأي تفرقه بين الأطفال مهما اختلفت قدراتهم .
لذلك نرى أن هناك العديد من الإتفاقيات المختلفة التي قامت على التأكيد على حقوق الطفل منها (إتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 ) ، حيث تناولت حقوق المعاقين ضمن موادها ، فنصت على ضرورة إعتراف الدول الأطراف بتمتع الطفل المعاق عقلياً أو جسدياً بحياة كاملة وكريمة في ظروف تكفل له كرامته ، وتُعزز اعتماده على النفس وتجعله مشاركاً بالفعل في المجتمع .
وذلك لن يتم إلا من خلال الاتجاه إلى (فلسفة الأطفال) وتفعيل دورها ، ووضع قاعدة عامة وأساسية (أن التعليم لكل طفل على السواء لتلبية إحتياجاته ) ، عن طريق الابتعاد عن العزل أو الفصل ، والتشجيع على العمل بروح الجماعة ، والمشاركة الفعالة ، وأهمية المساواة .
وعلى المعلمين أن يدركوا أن كل فرد له قيمة ، ولديه القدرة على التعلم ، لأنه لا يمكن التوجه للتعليم بمثل ذلك الشكل ، دون إدراك القائمين على العملية التعليمية بأهمية ذلك .
لذلك نرى أن للفلسفة دور هام في المجتمع ، بالرغم من تعدد وجهات النظر الفلسفية ، منهم من هو مؤيد للحرية والمساواة ومنهم من يرفض ذلك ، لذلك تعمل الفلسفة دائماً على النهوض بالمجتمع ، وتسعى جاهدة لإعطاء وحدة وطنية لجميع المعارف الإنسانية ، وتسعى دائماً إلى البحث عما ينبغي أن يكون وليس ما هو كائن.
في النهاية لابد أن نضع في الاعتبار (الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة) ، ونُدرك أن لديهم الدافعية والقدرة على المشاركة ، وخوض الكثير من الصعاب ، بدليل وجود مبدعين منهم، وقد حصلوا على مراكز أولى في بطولات مختلفة، فيجب تدعيمهم وإمداد يد العون والمساعدة لهم ، حتى يستطعيوا أن يصلوا إلى تحقيق أحلامه.
ذلك أن هذا الطفل هو إنسان بالدرجة الأولى ، هو إنسان قبل أي شيء ، هو إنسان وهو جنين في بطن أمه ، هو إنسان حتى لو كان لديه قصور في أي قدرة من القدرات ، وهو إنسان له حقوق ولابد أن يتمتع بها مثله مثل غيره من الأطفال ، ويجب وضع الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية في المقام الأول .